للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَكَانَ) -صلى الله عليه وسلم- (كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ) قال صاحب "التنبيه": لا أعرفه (١). (وَجْهُهُ) -صلى الله عليه وسلم- (مِثْلُ السَّيْفِ؟) الكلام على تقدير الاستفهام؛ أي: هل وجهه -صلى الله عليه وسلم- مثل السيف؟؛ أي: في الطول واللمعان، وللبخاريّ من طريق أبي إسحاق السَّبيعيّ، قال: سئل البراء -أي: ابن عازب -رضي الله عنهما-- أكان وجه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مثل السيف؟ قال: لا، بل مثل القمر.

قال في "الفتح": كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول، فردّ عليه البراء، فقال: بل مثل القمر؛ أي: في التدوير، ويَحْتَمِل أن يكون أراد مثل السيف في اللَّمَعان والصِّقَال، فقال: بل فوق ذلك، وعدل إلى القمر؛ لِجَمْعه الصفتين من التدوير واللمعان، ووقع في رواية زهير: "أكان وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديدًا، مثل السيف؟ "، وهو يؤيد الأول. انتهى (٢).

(قَالَ) جابر -رضي الله عنه- (لَا)؛ أي: ليس وجهه -صلى الله عليه وسلم- مثل السيف، (بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "كان وجهه مثل السيف" يَحْتَمِل هذا التشبيه وجهين:

أحدهما: أن السيوف كانت عندهم مستحسنة محبوبة يتجمَّلون بها، ولا يفارقونها، فشبّه وجه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- به؛ لأنَّه مستحسن محبوب يُتجمل به حين المجالسة، ولا يُستغنى عنه.

وثانيهما: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- أزهر، صافي البياض، يبرق وجهه، وقد رُوي: أنه كان يتلألأ وجهه في الجدر؛ فشبَّه وجهه بالسيف في صفاء بياضه، وبريقه، والله تعالى أعلم.

قال: وقوله: "لا، بل مثل الشمس والقمر" هذا نفيٌ لتشبيه وجهه بالسيف، لِمَا في السيف من الطول، فقد يَحْتَمِل أن وجهه كان طويلًا؛ وإنَّما كان مستديرًا في تمام خَلْق، ولأنه تقصير في التشبيه، فأضرب عن ذلك، وذَكَر من التشبيه ما هو أوقع، وأبلغ؛ فقال: "بل مثل الشمس والقمر"، وهذا التشبيه هو الغاية في الحُسن؛ إذ ليس فيما نشاهده من هذه الوجوه أحسن، ولا أرفع،


(١) "تنبيه المعلم" ص ٣٩٩.
(٢) "الفتح" ٨/ ٢١٢، كتاب "المناقب" رقم (٣٥٥٢).