للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذي أخرجه أحمد، والطبرانيّ، وغيرهما عنه أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف كان بدء أمرك؟ فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد، وفيه أن الملَكين لمّا شقّا صدره قال أحدهما للآخر: خِطْه فخاطه، وختم عليه بخاتم النبوة. انتهى.

فلما ثبت أن خاتم النبوة كان بين كتفيه حَمَل ذلك عياض على أن الشقّ لَمّا وقع في صدره، ثم خِيط حتى التأم كما كان، ووقع الختم بين كتفيه، كان ذلك أثر الشقّ، وفَهِم النوويّ وغيره منه أن قوله: "بين كتفيه" متعلق بالشقّ، وليس كذلك، بل هو متعلق بأثر الختم.

ويؤيده ما وقع في حديث شداد بن أوس عند أبي يعلى، و"الدلائل" لأبي نعيم: "أن الملَك لمّا أخرج قلبه، وغسله، ختم، ثم أعاده عليه بخاتم في يده من نور، فامتلأ نورًا"، وذلك نور النبوة والحكمة، فيَحْتَمِل أن يكون ظهر من وراء ظهره، عند كتفه الأيسر؛ لأن القلب في تلك الجهة.

وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- عند أبي داود الطيالسيّ، والحارث بن أبي أسامة، و"الدلائل" لأبي نعيم أيضًا: "أن جبريل وميكائيل لمّا تراءيا له عند المبعث، هَبَط جبريل، فسلقني لحلاوة الغفا، ثم شقّ عن قلبي، فاستخرجه، ثم غسله في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لَأَمَه، ثم ألقاني، وختم في ظهري، حتى وجدت مس الخاتم في قلبي، وقال اقرأ. . ." الحديث، هذا مستند القاضي فيما ذكره، وليس بباطل.

قال: ومقتضى هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودًا حين ولادته، ففيه تعقيب على من زعم أنه وُلد به، وهو قول نقله أبو الفتح اليعمريّ بلفظ: قيل: وُلد به، وقيل: حين وُضع، نقله مغلطاي، عن يحيى بن عائذ، والذي تقدم أثبت، ووقع مثله في حديث أبي ذرّ عند أحمد، والبيهقيّ في "الدلائل"، وفيه: "وجُعِل خاتم النبوة بين كتفيّ كما هو الآن"، وفي حديث شداد بن أوس في "المغازي" لابن عائد في قصة شقّ صدره، وهو في بلاد بني سعد بن بكر: "وأقبل وفي يده خاتم له شعاع، فوضعه بين كتفيه، وثدييه. . ." الحديث، وهذا قد يؤخذ منه أن الختم وقع في موضعين من جسده، والعلم عند الله تعالى. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ٦/ ٥٦٢.