المعاني كلّها، كما سبقت الإشارة في كلام ابن العربيّ، وابن كثير؛ لأنها تحتملها، فحملها على الجميع أولى، والله تعالى أعلم.
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} [المدثر: ٥] قرأ الأكثرون بكسر الراء، وقرأ حفص بضمها، وفسّره في الكتاب هنا بالأوثان، وكذا قاله جماعات من المفسرين، والرِّجز في اللغة: العذاب، وسُمِّي الشرك وعبادة الأوثان رِجْزًا؛ لأنه سبب العذاب، وقيل: المراد بالرجز في الآية: الشرك، وقيل: الذنب، وقيل: الظلم، ذكر هذه الأقوال كلها النوويّ.
وقال البخاريّ في "صحيحه": يقال: الرجز: العذاب، قال في "الفتح": هو قول أبي عُبيدة. انتهى.
وقال ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: والرجز، وهو الأصنام، فاهجر، وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والزهريّ، وابن زيد: إنها الأوثان، وقال إبراهيم والضحاك: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)}: أي: اترك المعصية.
وعلى كل تقدير فلا يَلْزم تَلَبُّسه بشيء من ذلك، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}[الأحزاب: ١]، وقال موسى لأخيه هارون:{اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف: ١٤٢] انتهى كلام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -.
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} قال مجاهد، وعكرمة: يعني الأوثان، دليله قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}[الحج: ٣٠]، قاله ابن عباس، وابن زيد، وعن ابن عباس أيضًا: والمآثمَ فاهجر، أي: فاترك، وكذا رَوَى مغيرة عن إبراهيم النخعيّ قال: الرجز: الإثم، وقال قتادة: الرجز: إِسَاف ونائلة، صنمان كانا عند البيت، وقيل: الرجز: العذاب، على تقدير حذف مضاف، والمعنى: وعمل الرجز فاهجر، أو العمل المؤدي إلى العذاب، وأصل الرجز: العذابُ، قال الله تعالى:{لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ}[الأعراف: ١٣٤]، وقال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ}[الأعراف: ١٦٢]، فسُمِّيت الأوثان رجزًا؛ لأنها تؤدي إلى العذاب.
وقراءة العامة {الرِّجْزُ} بكسر الراء، وقرأ الحسن، وعكرمة، ومجاهد، وابن مُحَيصن، وحفص عن عاصم:{وَالرُّجْزَ} بضم الراء، وهما لغتان، مثل