للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

...... … أَوْذَمَ جَحًّا فِي ثِيَابٍ دُسْمِ

أي: قد دَنَّسها بالمعاصي.

ومن ذهب إلى القول الثامن قال: إن المراد بها الثياب الملبوسات، فلهم في تأويله أربعة أوجه:

[أحدهما]: معناه: وثيابك فَأَنْقِ.

[الثاني]: وثيابك فشَمِّر، وقَصِّر، فإن تقصير الثياب أبعد من النجاسة، فإذا انجزت على الأرض لم يؤمن أن يصيبها ما ينجسها، قاله الزجاج، وطاوس.

[الثالث]: وثيابك فطهر من النجاسة بالماء، قاله محمد بن سيرين، وابن زيد، والفقهاء.

[الرابع]: لا تلبس ثيابك إلا من كسب حلال؛ لتكون مُطَهَّرة من الحرام، وعن ابن عباس: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طاهر.

قال ابن العربي بعدما ذكر بعض ما تقدّم: ليس بممتنع أن تُحْمَل الآية على عموم المراد، فيها بالحقيقة والمجاز، وإذا حملناها على الثياب المعلومة الطاهرة، فهي تتناول معنيين:

[أحدهما]: تقصير الأذيال؛ لأنها إذا أُرسلت تَدَنَّست.

[والثاني]: غسلها من النجاسة، وهو ظاهر (١).

وقال الحافظ ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ذكر بعض هذه الأقوال: وقال محمد بن سيرين: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)} [المدثر: ٤]؛ أي: اغسلها بالماء، وقال ابن زيد: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره الله أن يتطهر، وأن يُطَهِّر ثيابه، قال: وهذا القول اختاره ابن جرير، وقد تَشْمَل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب، فإن العرب تُطْلِق الثياب عليه، كما قال امرؤ القيس [من الطويل]:

أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّل … وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ هَجْرِي فَأَجْمِلِي

وَإِنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَةٌ … فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسَلِ

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن أن الأحسن حمل الآية على هذه


(١) راجع: "تفسير القرطبيّ" ١٩/ ٦١ - ٦٦ "تفسير سورة المدّثّر".