وليس بجيّد في هذا الثاني؛ لأن المراد: أنه ليس بالأبيض الشديد البياض، ولا بالآدم الشديد الأُدْمة، وإنما يخالط بياضه الحمرة، والعرب قد تُطلق على من كان كذلك أسمر، ولهذا جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- عند أحمد، والبزار، وابن منده بإسناد صحيح، وصححه ابن حبان:"أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان أسمر"، وقد رَدّ المحبّ الطبريّ هذه الرواية بقوله في حديث الباب:"ولا بالأبيض الأمهق، وليس بالآدم"، والجمع بينهما ممكن.
وأخرجه البيهقيّ في "الدلائل" من وجه آخر عن أنس، فذكر الصفة النبوية، قال:"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبيض، بياضه إلى السمرة"، وفي حديث يزيد الرقاشيّ عن ابن عباس في صفة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "رجلٌ بين رجلين جسمه، ولحمه أحمر"، وفي لفظ:"أسمر إلى البياض"، أخرجه أحمد، وسنده حسن.
وتبيَّن من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبَت: ما يخالطه الحمرة، والمنفيّ: ما لا يخالطه، وهو الذي تكره العرب لونه، وتسميه أمهق.
وبهذا تبيّن أن رواية المروزيّ:"أمهق، ليس بأبيض" مقلوبة، والله أعلم.
على أنه يمكن توجيهها بأن المراد بالأمهق: الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية، ولا سمرته، ولا حمرته، فقد نُقِل عن رؤبة أن الْمَهَق خضرة الماء، فهذا التوجيه يتمّ على تقدير ثبوت الرواية.
وقد تقدم في حديث أبي جحيفة -رضي الله عنه- إطلاق كونه أبيض، وكذا في حديث أبي الطُّفيل عند مسلم، وفي رواية عند الطبرانيّ:"ما أنسى شدّة بياض وجهه، مع شدّة سواد شعره"، وكذا في شعر أبي طالب المتقدّم في "الاستسقاء":
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
وفي حديث سُراقة عند ابن إسحاق:"فجعلت أنظر إلى ساقه؛ كأنها جُمّارة"(١)، ولأحمد من حديث مُحَرِّش الكعبيّ في عمرة الجعرانة، أنه قال:
(١) قال في "النهاية في غريب الأثر" ١/ ٢٩٤: الْجُمّارة: قلب النخلة، وشحمتها، شبّه ساقه ببياضها. انتهى.