للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"شرح المقدّمة" بأتمّ مما هنا، فراجعه (١) تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(وَأنا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ) بفتح الياء وسكونها، (الْكُفْرُ) قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: أي: من الأرض التي زُوِيت له -صلى الله عليه وسلم-، وأُري أن مُلك أمته سيبلغة، أو يعني بذلك: أنه مُحي به معظم الكفر، وغالبه بظهور دينه على كل الأديان بالحجج الواضحة، والغلبة العامة الفادحة، كما قد صرَّح به الحقّ سبحانه وتعالى بقوله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} الآية [التوبة: ٣٣]. انتهى (٢).

وقال النوويّ: قال العلماء: المراد محو الكفر من مكة والمدينة، وسائر بلاد العرب، وما زُوِيَ له -صلى الله عليه وسلم- من الأرض، ووُعِد أن يبلغة مُلك أمته، قالوا: ويَحْتَمِل أن المراد: المحو العامّ، بمعنى الظهور بالحجة والغلبة، كما قال تعالى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} الآية [التوبة: ٣٣]، وجاء في حديث آخر تفسير الماحي بأنه الذي مُحيت به سيئات من اتبعه، فقد يكون المراد بمحو الكفر هذا، ويكون كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الآية [الأنقال: ٣٨]، والحديث الصحيح: "الإسلام يَهْدِم ما كان قبله". انتهى (٣).

وقال في "الفتح": قيل: المراد بمحو الكفر: إزالته من جزيرة العرب، وفيه نظرٌ؛ لأنه وقع في رواية عُقيل ومعمر: "يمحو بي الله الكَفَرَة"، ويجاب بأن المراد: إزالة الكفر بإزالة أهله، وإنما قُيّد بجزيرة العرب؛ لأن الكفر ما انمحى من جميع البلاد، وقيل: إنه محمول على الأغلب، أوأنه ينمحي بسببه أوّلًا فأولًا إلى أن يضمحلّ في زمن عيسى بن مريم، فإنه يرفع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام.

وتُعُقِّب بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس.

ويجاب بجواز أن يرتدّ بعضهم بعد موت عيسى، وتُرسل الريح، فتقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، فحينئذ فلا يبقى إلا الشرار.


(١) راجع: "قرّة عين المحتاج" ١/ ٢٢٢ - ٢٢٤.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٤٥.
(٣) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٠٤ - ١٠٥.