للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أقفوه، وقفيته أقفيه: إذا اتبعته، وقافية كل شي آخره (١).

وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: المقفّي، والعاقب: معناهما واحد، وهوأنه -صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء، وخاتمهم، وأكرم أعقابهم، وأفضل من قفَّاهم، وقفّاهم؛ أي: كان بعدهم، واتّبع آثارهم، قال ابن الأنباريّ: المقفِّي: المتَّبع للنبيين قبله، يقال: قَفَوتُه، أَقْفُوه، وقَفَيتُه: إذا تبعته، ومثله: قُفْتُه، أقُوفُه، ومنه قوله تعالي: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الآية [الحديد: ٢٧]، {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الآية [الإسراء: ٣٦]، وقافية كل شيء: آخره. انتهى (٢).

(وَالْحَاشِرُ) تقدّم شرحه، (وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ) قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: أي: الذي تكثر التوبة في أمته، وتعمّ حتى لا يوجد فيما ملكته أمته إلا تائب من الكفر، فيقرب معناه على هذا من "الماحي"، إلا أن ذلك يشهد بمحو ما ظهر من الكفر، وهذا يشهد بصحَّة ما يخفى من توبة أمته منه، ويَحْتَمِل أن يكون معناه: أن أمته لمّا كانت أكثر الأمم كانت توبتهم أكثر من توبة غيرهم، ويَحْتَمِل أن تكون توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لم يذنب، ولا يؤاخذ لا في الدنيا، ولا في الآخرة، ويكون غيرهم يؤاخذ في الدنيا، وإن لم يؤاخذ في الآخرة، والله أعلم. والذي أحوج إلى هذه الأوجه اختصاص نبينا -صلى الله عليه وسلم- بهذا الاسم، مع أن كل نبيّ جاء بتوبة أمته، فيصدق أنه نبيّ التوبة، فلا بدَّ من إبداء مزيَّة لنبيّنا -صلى الله عليه وسلم- يختصُّ بها كما بيَّنا. انتهى (٣).

(وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: وأما نبي التوبة، ونبي الرحمة، ونبي المرحمة، فمعناها متقارب، ومقصودها أنه -صلى الله عليه وسلم- جاء بالتوبة، وبالتراحم، قال الله تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩]، {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [لبلد: ١٧]، والله أعلم.

قال: وفي حديث آخر: "نبي الملاحم"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- بُعِث بالقتال، قال العلماء: وإنما اقتصر على هذه الأسماء مع أن له -صلى الله عليه وسلم- أسماء غيرها، كما سبق؛


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٠٦.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٤٦.
(٣) "المفهم" ٦/ ١٤٧.