لأنها موجودة في الكتب المتقدمة، وموجودة للأمم السالفة. انتهى (١).
وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "ونبي الرحمة"، وفي أخرى:"المرحمة"، وفي أخرى:"الملحمة"، فأمَّا الرحمة، والمرحمة فكلاهما بمعنى واحد، وقد تقدَّم أن الرحمة إفاضة النعم على المحتاجين، والشفقة عليهم، واللطف بهم، وقد أعطى الله نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأمته منها ما لم يُعْطِه أحدًا من العالمين، ويكفي من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]، فهو أعظم كل رحمة، وأمته القابلة لِمَا جاء به قد حَصَّلت على أعظم حظّ من هذه الرحمة، وشفاعتُهُ يوم القيامة لأهل الموقف أعمُّ كل رحمة، ولأهل الكبائر أجلّ كل نعمة، وخاتمة ذلك شفاعته في ترفيع منازل أهل الجنة.
وأما رواية من روى:"نبي الملحمة": فهذا صحيح في نَعْته، ومعلوم في الكتب القديمة مِنْ وَضفه، فإنَّه قد جاء فيها: أنه نبي الملاحم، وأنه يجيء بالسيف والانتقام ممن خالفه من جميع الأنام، فمنها ما جاء في صحف حبقوق، قال:"جاء الله من التين، وتقدس من فاران، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد، وتقديسه، وملأ الأرض من هيبته"، وفيها أيضًا:"تضيء الأرض بنورك، وستنزع في قوسك إغراقًا، وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء"؛ ويعني بالتين: الجبال التي تُنْبته، وهي جبال بيت المقدس، ومجيء الله تعالى منها: عبارة عن إظهار كلامه الذي هو الإنجيل على لسان عيسى -صلى الله عليه وسلم-، وفاران: مكة، كما قال تعالى في التوراة:"إن الله أنزل هاجر، وابنها إسماعيل فاران"؛ يعني: مكة بلا خلاف بينهم، وفي التوراة قال:"قد جاء الله من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلى من فاران"؛ فمجيئه تعالى من سيناء: كناية عن ظهور موسى -صلى الله عليه وسلم- بها، وإشراقه من ساعير، وهي جبال الروم من أدوم: كناية عن ظهور عيسى عليه السلام، واستعلاؤه من فاران: كناية عن القهر الذي يقهر به نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- الكفر كلّه بالقتل والقتال.
وقال في التوراة:"يا موسى! إني أقيم لبني إسرائيل من إخوتهم نبيّا مثلك، أجعل كلامي على فيه، فمن عصاه انتقمت منه"، وإخوة بني إسرائيل