للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (بَعْدُ) بالبناء على الضمّ؛ لقطعها عن الإضافة، ونيّة معناها، أي: بعد نزول هذه الآية، وهو ظرف متعلّق بـ "حَمِيَ". قال في "الفتح": فيه مطابقة لتعبيره عن تأخّره بالفتور؛ إذ لم ينتهِ إلى انقطاع كليّ، فيوصف بالضدّ، وهو البرد.

وقوله: (وتتابع ") تأكيد معنويّ لـ "حَمِي"، ويحتمل أن يراد بـ "حَمِي": قَوِي، وبـ "تتابع": تكاثر، ووقع في رواية الكشميهني، وأبي الوقت: "وتواتر والتواتر: مجيء الشيء يتلو بعضه بعضًا من غير تخلّل (١).

وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ثم حَمِيَ الوحيُ، وتتابع" الكلمتان هما بمعنًى واحد، فأكَّد أحدهما بالآخر، ومعنى حَمِيَ: كثر نزوله، وقوي أمره، وازداد، من قولهم: حَمِيَتِ النارُ والشمسُ؛ أي: قَوِيَتْ حرارتُها، ومنه حَمِيَ الوَطِيسُ؛ أي: قَوِيَ حرّه واشتدّ، ثم استُعير في الحرب - انتهى (٢).

[تنبيه]: رواية عُقيل هذه التي أحالها المصنّف على رواية يونس، ساقها الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "صحيحه فقال:

(٣٢٣٨) حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا الليث، قال: حدثني عُقَيل، عن ابن شهاب، قال: سمعت أبا سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنه سمع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثم فَتَرَ عني الوحي فَتْرَة، فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرَفَعْتُ بصري قِبَلَ السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعدٌ على كرسيّ بين السماء والأرض، فجُثِثت (٣) منه حتى هَوَيْتُ إلى الأرض، فجئْتُ أهلي، فقلت: زَمِّلوني زملوني، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)} [المدثر: ١، ٢] إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} [المدثر: ٥] قال أبو سلمة: والرجزُ الأوثانُ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "الفتح" ١/ ٣٨.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٦٥٢.
(٣) وقع في رواية أبي ذرّ: "فَجُثِثْتُ" بثاءين، وهو الموافق لرواية مسلم، ووقع في رواية غيره: "فَجُئِثتُ" بهمزة، ثم ثاء مثلّثة، ومعلوم لدى المحقّقين أن أبا ذرّ الهرويّ أتقن من روى صحيح البخاريّ، ولذا اعتمد عليها الحافظ في شرحه "فتح الباري"، فينبغي الاعتماد عليه، فتنبّه، والله تعالى أعلم.