علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات، إلى قوله:{وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد نحوه.
وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس: أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلميّ قبل أن يُسْلِم، وَيصْحَبَ.
ورَوَى بإسناد آخر صحيح إلى مجاهد: أنه كعب بن الأشرف.
وقد رَوَى الكلبي في "تفسيره" عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية، في رجل من المنافقين، كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف، فذكر القصة، وفيه: أن عمر قتل المنافق، وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات، وتَسميةِ عمر الفاروقَ، وهذا الإسناد، وإن كان ضعيفًا، لكن تقوَّى بطريق مجاهد، ولا يضره الاختلاف؛ لإمكان التعدد.
وأفاد الواحدي بإسناد صحيح، عن سعيد، عن قتادة، أن اسم الأنصاري المذكور: قيس.
ورجَّح الطبري في "تفسيره" وعزاه إلى أهل التأويل في "تهذيبه" أن سبب نزولها هذه القصة؛ ليتّسق نظام الآياتِ كلها في سبب واحد، قال: ولم يَعرِض بينها ما يقتضي خلاف ذلك، ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك، فيتناولها عموم الآية (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الطبريّ حسنٌ جدًّا؛ جمعًا بين الآثار المذكورة، وإلا فما في "الصحيح" أصحّ. والله تعالى أعلم.
({فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}) قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في "تفسيره": يُقسِم الله تعالى بنفسه المكريمة المقدسة أنه لا يؤمِن أحد حتى يُحَكِّمَ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جميع الأمور، فما حَكَم به، فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا، ولهذا قال:{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} الآية [النساء: ٦٥]؛ أي: إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حَرَجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن،