للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن عبد البرّ أيضًا: والسؤال إذا لَمْ يحلّ فلا يحل منه الكثير ولا القليل، وإذا كان جائزًا حلالًا فلا بأس بالإكثار منه حتى يبلغ إلى الحد المنهي عنه، والله أعلم، وقد كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكره كثرة المسائل، ويعيبها، والانفكاكُ عندي من هذا المعنى، والانفصال من هذا السؤال والإدخال، أن السؤال اليوم لا يُخاف منه أن ينزل تحريم، ولا تحليل من أجله، فمن سأل مُستفهِمًا راغبًا في العلم، ونفي الجهل عن نفسه، باحثًا عن معنًى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء الْعِيِّ السؤالُ، ومن سأل معنتًا، غير متفقه، ولا متعلِّم، فهذا لا يحلّ قليل سؤاله، ولا كثيرةُ. انتهى (١).

١١ - (ومنها): أن الحديث بيّن سبب نزول الآية المذكورة، قال في "الفتح" عند قوله: "فنزلت هذه الآية": ووقع في "الفتن" من طريق قتادة، عن أنس في آخر هذا الحديث، بعد أن ساقه مطوَّلًا قال: "فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية [المائدة: ١٠١].

وأخرج الشيخان عن قتادة، عن أنس بن مالك: "أن الناس سألوا نبيّ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أحفوه بالمسألة، فخرج ذات يوم، فصَعِد المنبر، فقال: سلوني، لا تسألوني عن شيء إلَّا بيّنته لكم، فلمّا سمع ذلك القومُ أرَمُّوا، ورَهِبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر، قال أنس: فجعلت ألتفت يمينًا وشمالًا، فإذا كل رجل لافّ رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل من المسجد كان يُلاحَي، فيدعى لغير أبيه، فقال: يا نبي الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -، فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، عائذًا بالله من سوء الفتن، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ أر كاليوم قطّ في الخير والشرّ، إني صُوِّرت لي الجَنَّة والنار، فرأيتهما دون هذا الحائط".

وروى الطبريّ من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: خرج رسول الله - عَزَّ وَجَلَّ - غضبان مُحمارٌّ وجهه، حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل، فقال: أين أبي؟ قال: في النار، فقام آخر، فقال: من أبي؟ فقال: حُذافةُ،


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٢١/ ٢٩٢.