فقام عمر، فذكر كلامه، وزاد فيه:"وبالقرآن إمامًا"، قال: فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية، قال الحافظ: وهذا شاهد جيّد لحديث موسى بن أنس المذكور.
وأما ما روى الترمذيّ من حديث عليّ - رضي الله عنه - قال: "لما نزلت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩٧]، قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ فسكت، ثم قالوا: يا رسول الله في كل عام؟ فقال: لا، ولو قلت: نعم، لوجبت، فأنزل الله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا}، فهذا لا ينافي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- لاحتمال أن تكون نزلت في الأمرين، ولعل مراجعتهم له في ذلك هي سبب غضبه.
وقد رَوَى أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، والطبريّ من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - نحو حديث عليّ هذا، وكذا أخرجه من وجه ضعيف، ومن آخر منقطع، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. وجاء في سبب نزولها قول ثالث، وهو ما يدل عليه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي أخرجه البخاريّ عن أبي الجويرية عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان قوم يسألون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استهزاءً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تَضِلّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حتى فرغ من الآية كلها، قال الحافظ: وهو أصح إسنادًا، لكن لا مانع أن يكون الجميع سبب نزولها، والله أعلم.
وجاء في سبب نزولها قولان آخران، فأخرج الطبريّ، وسعيد بن منصور، من طريق خُصيف عن مجاهد، عن ابن عباس أن المراد بالأشياء: البَحِيرةُ، والوَصِيلةُ، والسائبةُ، والحامُ، قال: فكان عكرمة يقول: إنهم كانوا يسألون عن الآيات، فنُهُوا عن ذلك، قال: والمراد بالآيات: نحو سؤال قريش أن يَجعل الصفا لهم ذهبًا، وسؤال اليهود أن يُنزل عليهم كتابًا من السماء، ونحو ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الكريم، عن عكرمة، قال: نزلت في الذي سأل عن أبيه.
وعن سعيد بن جبير: في الذين سألوا عن البَحيرة، وغيرها.
وعن مِقْسَمٍ: فيما سأل الأمم أنبياءها عن الآيات.
قال الحافظ: وهذا الذي قاله مُحْتَمِلٌ، وكذا ما أخرج ابن أبي حاتم من