للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إسحاق، بل ظاهر من كلامه أن التأخير في قوله: "معهم"، فتنبّه.

وقد عرفت فيما أسلفته أنه لا داعي لدعوى التقديم والتأخير أصلًا، بل إنما يحتاج لتقدير لفظة: "مثل"، كما هو نصّ "الصحيفة"؛ أي: من مثل أهله وماله، فيصحّ على هذا معنى قوله: "معهم"؛ أي: يكون له مع أهله وماله مثلهم، فصحّ المعنى بلا تقديم، ولا تأخير، والله تعالى أعلم.

قال النوويّ: ومقصود الحديث حثّهم على ملازمة مجلسه الكريم، ومشاهدته حضرًا وسفرًا؛ للتأدب بآدابه، وتعلّم الشرائع، وحِفظها؛ ليبلّغوها، وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فَرّطوا فيه من الزيادة من مشاهدته، وملازمته، ومنه قول عمر -رضي الله عنه-: "ألهاني عنه الصّفق بالأسواق"، والله أعلم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "والذي نفس محمد بيده! ليأتين. . . إلخ" كذا صحيح الرواية، ومعنى هذا الحديث: إخباره -صلى الله عليه وسلم- بأنه إذا فُقِد تغيَّرت الحال على أصحابه من عدم مشاهدته، وفُقد عظيم فوائدها، ولِما طرأ عليهم من الاختلاف والمحن، والفتن، وعلى الجملة: فساعةَ موته -صلى الله عليه وسلم- اختَلَفت الآراء، ونجمت الأهواء، وكاد النظام ينحلّ لولا أن الله تبارك وتعالى تداركه بثاني اثنين، وأهل العَقْد والحلّ، وقد عبَّر الصحابة عند مبدأ ذلك التغيُّر لنا بقولهم: "ما سوّينا التراب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أنكرنا قلوبنا"، فكلما حصل واحدٌ منهم في كربة من تلك الكرب، ودَّ أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكل ما معه، من أهل، ومال، ونَشَب (٢)، وذلك لتذكره ما فات من بركات مشاهدته، ولِمَا حَصَل بعده من فساد الأمر، وتغيُّر حالته، والله أعلم. انتهى (٣).

وفي رواية البخاريّ: "ليأتينّ على أحدكم زمان؛ لأن يراني أحبّ إليه من أن يكون له مثل أهله، وماله".

قال في "الفتح": قال عياض: وقد وقع للجميع: "ليأتين على أحدكم"،


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ١١٨ - ١١٩.
(٢) "النَّشَبُ" -بفتحتين- قيل: العقار، وقيل: المال والعقار، قاله في "المصباح" ٢/ ٦٠٥.
(٣) "المفهم" ٦/ ١٧٥.