للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث متّفقٌ عليه، وقد تقدّم سندًا ومتنًا في "كتاب الإيمان" برقم [٧٣/ ٣٨٩] (١٥١)، وقد استوفيت شرحه، وبيان مسائله هناك، فلا حاجة إلى إعادة ذلك، فإن شئت، فارجع إليه، وبالله تعالى التوفيق.

وقوله: ("نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: اختَلَف العلماءُ في معنى: "نحن أحقّ بالشك من إبراهيم" على أقوال كثيرة، أحسنها، وأصحها ما قاله الإمام أبو إبراهيم المزنيّ صاحب الشافعيّ، وجماعات من العلماء، ومعناه: أن الشك مستحيل في حقّ إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلام-، فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرِّقًا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحقّ به من إبراهيم، وقد علمتم أني لم أشكّ، فاعلموا أن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلام- لم يشك، وإنما خَصّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلام-؛ لكون الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشكّ، وإنما رجَّح إبراهيم على نفسه -صلى الله عليه وسلم- تواضعًا، وأدبًا، أو قبل أن يعلم -صلى الله عليه وسلم- أنه خير ولد آدم.

وقال صاحب "التحرير": قال جماعة من العلماء: لمّا نزل قول الله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قالت طائفة: شكَّ إبراهيم، ولم يشكّ نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أحق بالشك منه"، فذكر نحو ما قدمته، ثم قال: ويقع لي فيه معنيان:

أحدهما: أنه خرج مخرج العادة في الخطاب، فإن من أراد المدافعة عن إنسان قال للمتكلم فيه: ما كنت قائلًا لفلان، أو فاعلًا معه من مكروه، فقله لي، وافعله معي، ومقصوده: لا تقل ذلك فيه.

والثاني: أن معناه أن هذا الذي تظنونه شكًّا أنا أَولى به، فإنه ليس بشكّ، وإنما هو طلب لمزيد اليقين، وقيل غير هذا من الأقوال، فنقتصر على هذه لكونها أصحها، وأوضحها، والله أعلم، وقد تقدّم البحث بأطول مما هنا في الباب المذكور، فلتراجعه تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.

وقوله: (لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) المراد بالركن الشديد هو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فإنه أشد الأركان، وأقواها، وأمنعها، ومعنى الحديث -والله أعلم-: أن لوطًا -صلى الله عليه وسلم- لَمّا خاف على أضيافه، ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين،