وقد أُورد على هذا الحصر ما رواه مسلم من حديث أبي زرعة، عن أبي هريرة، في حديث الشفاعة الطويل، فقال في قصة إبراهيم:"وذَكَرَ كذباته"، ثم ساقه من طريق أخرى، من هذا الوجه، وقال في آخره: وزاد في قصة إبراهيم، وذكر قوله في الكوكب:{هَذَا رَبِّي}[الأنعام: ٧٦]، وقوله لآلهتهم:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء: ٦٣]، وقوله:{إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات: ٨٩]. انتهى.
قال القرطبيّ: ذِكْر الكوكب يقتضي أنها أربع، وقد جاء في رواية ابن سيرين بصيغة الحصر، فيحتاج في ذِكر الكوكب إلى تأويل.
قال الحافظ: الذي يظهر أنها وَهَمٌ من بعض الرواة، فإنه ذَكَر قوله في الكوكب، بدل قوله في سارة، والذي اتَّفَقَت عليه الطرق ذِكر سارة، دون الكوكب، وكأنه لم يُعَدّ مع أنه أدخلُ مِن ذِكر سارة؛ لِمَا نُقِل أنه قاله في حال الطفولية، فلم يَعُدّها؛ لأن حال الطفولية ليست بحال تكليف، وهذه طريقة ابن إسحاق، وقيل: إنما قال ذلك بعد البلوغ، لكنه قاله على طريق الاستفهام الذي يُقصد به التوبيخ، وقيل: قاله على طريق الاحتجاج على قومه؛ تنبيهًا على أن الذي يتغير لا يصلح للربوبية، وهذا قول الأكثر أنه قال توبيخًا لقومه، أو تهكّمًا بهم، وهو المعتمد، ولهذا لم يُعَدّ ذلك في الكذبات.
وأما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة، فلكونه قال قولًا يعتقده السامع كذبًا، لكنه إذا حُقِّق لم يكن كذبًا؛ لأنه من باب المعاريض المحتمِلة للأمرين فليس بكذب محض.
فقوله:{إِنِّي سَقِيمٌ} يَحْتَمِل أن يكون أراد: إني سقيم؛ أي: سأسقم، واسم الفاعل يُستعمل بمعنى المستقبَل كثيرًا، ويَحْتَمِل أنه أراد: إني سقيم بما قُدّر عليّ من الموت، أو سقيم الحجة على الخروج معكم.
وحَكَى النوويّ عن بعضهم أنه كان تأخذه الحمى في ذلك الوقت، وهو بعيد؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن كذبًا، لا تصريحًا، ولا تعريضًا.
وقوله:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} قال القرطبيّ: هذا قاله تمهيدًا للاستدلال على أن الأصنام ليست بآلهة، وقطعًا لقومه في قولهم: إنها تضرّ، وتنفع، وهذا الاستدلال يُتَجَوَّز فيه في الشرط المتصل، ولهذا أردف قوله:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} بقوله: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ}، قال ابن قتيبة: معناه: إن