للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: ٦٠]، وكان هذا الذكر هو قول إبراهيم لهم: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)} [الأنبياء: ٥٧]، فلما أحضروه: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (٦٢)} [الأنبياء: ٦٢]، فأجابهم بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: رجع بعضهم إلى بعض رجوع القطع عن حجَّته المتفطِّن لحجَّة خصمه: {فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء: ٦٣، ٦٤]؛ أي: بعبادة من لا ينطق بلفظة، ولا يملك لنفسه لحظة، فكيف ينفع عابديه، ويدفع عنهم البأس من لا يردُّ عن رأسه الفأس: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: ٦٥]؛ أي: عادوا إلى جهلهم، وعنادهم، فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: ٦٥]، فقال قاطعًا لِما به يهذون، ومفحمًا لهم فيما يتقولون: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: ٦٦، ٦٧]. انتهى (١).

وقال في "الفتح": خَصّ الثنتين بذات الله؛ لأن قصة سارة، وإن كانت أيضًا في ذات الله، لكن تضمنت حظًّا لنفسه، ونفعًا له، بخلاف الثنتين الأخيرتين، فإنهما في ذات الله محضًا، وقد وقع في رواية هشام بن حسان: "إن إبراهيم لم يكذب قطّ إلا ثلاث كذبات، كل ذلك في ذات الله"، وفي حديث ابن عباس عند أحمد: "والله إن جادل بهنّ إلا عن دين الله".

(قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} تقدّم ما يتعلّق بهاتين الخصلتين آنفًا، (وَوَاحِدَةً فِي شَأْنِ سَارَةَ) بتخفيف الراء، وتشديدها، وهي امرأة إبراهيم، والدة إسحاق بن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلام-.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذه الواحدة هي من إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- مدافعةٌ عن حكم الله تعالى الذي هو: تحريم سارة على الجبَّار، والثنتان المتقدِّمتان مدافعة عن وجود الله تعالى، فافترقا، فلذلك فرَّق في الإخبار بين النوعين. انتهى (٢).

[تنبيه]: اختُلف في والد سارة -رضي الله عنها-، مع القول بأن اسمه هاران، فقيل: هو ملك حَرّان، وأن إبراهيم تزوجها لما هاجر من بلاد قومه إلى حَرّان،


(١) "المفهم" ٦/ ١٨٤ - ١٨٥.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٨٥.