للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "كفّ الله يد الفاجر، وأخدم خادمًا"؛ أي: عصمها الله منه بما أظهر من كرامتها، وأعطاها الله خادمًا، وهي: هاجر، ويقال: آجر -بالهمزة يُبدلونها من الهاء- وفيه: جواز قبول هدية المشرك، وقد تقدم القول فيها. انتهى (١).

(قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (فَتِلْكَ أُمُّكُمْ، يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فتلك: إشارة إلى هاجر، والمخاطَب العرب، قال الخطابيّ: سُمُّوا بذلك؛ لانتجاعهم المطر، وماء السماء للرعي، وقال غيره: سُمُّوا بذلك؛ لخلوص نَسَبهم، وصفائه، وشبَّهه بماء السماء، قال القاضي أبو الفضل: والأظهر عندي أن المراد به الأنصار، نَسَبَهم إلى جَدِّهم عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، وكان يُعرف بماء السماء، وهو مشهور، والأنصار كلهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر المذكور، والله أعلم (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "فتلك أمكم" كأنه خاطب بذلك العرب؛ لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر؛ لأجل رعي دوابهم، ففيه تمسُّك لمن زعم أن العرب كلهم من ولد إسماعيل، وقيل: أراد بماء السماء زمزم؛ لأن الله أنبعها لهاجر، فعاش ولدها بها، فصاروا كأنهم أولادها، قال ابن حبان في "صحيحه": كلُّ من كان من ولد إسماعيل يقال له: ماء السماء؛ لأن إسماعيل وَلَدُ هاجر، وقد رُبّي بماء زمزم، وهي من ماء السماء.

وقيل: سُمُّوا بذلك؛ لخلوص نَسَبهم، وصفائه، فأشبه ماء السماء، وعلى هذا فلا متمسَّك فيه.

وقيل: المراد بماء السماء: عامرٌ ولد عمرو بن عامر بن مزيقيا بن حارثة بن الغطريف، وهو جدّ الأوس والخزرج، قالوا: إنما سُمِّي بذلك؛ لأنه كان إذا قَحَط الناس أقام لهم ماله مقام المطر، وهذا أيضًا على القول بأن العرب كلها من وَلَدِ إسماعيل. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) "المفهم" ٦/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٣) "الفتح" ٧/ ٦٤٧ - ٦٤٩، كتاب "الأنبياء" رقم (٣٣٥٧ و ٣٣٥٨).