للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما الأول، وإن رجحه بعضهم، فليس بجيّد؛ إذ لو كان كذلك لطلب الدنوّ أكثر من ذلك.

ويَحْتَمِل أن يكون سرّ ذلك أن الله لمّا منع بني إسرائيل من دخول بيت المقدس، وتَرَكهم في التيه أربعين سنة، إلى أن أفناهم الموت، فلم يدخل الأرض المقدّسة مع يوشع إلَّا أولادهم، ولم يدخلها معه أحد، ممن امتنع أوّلًا أن يدخلها، ومات هارون، ثم موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- قبل فتح الأرض المقدّسة على الصحيح، فكان موسى لمّا لَمْ يتهيّأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها، ولا يمكن نَبْشه بعد ذلك ليُنقَل إليها، طلب القرب منها؛ لأنَّ ما قارب الشيء يعطى حكمه.

وقيل: إنما طلب موسى الدنوّ؛ لأنَّ النبيّ يُدفن حيث يموت، ولا يُنقل، وفيه نظر؛ لأنَّ موسى قد نَقَلَ يوسف -عَلَيْهِ السَّلَام- معه، لمّا خرج من مصر. وهذا كله على الاحتمال الثاني. والله أعلم. انتهى (١).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ) -بفتح المثلّثة: اسم إشارة يُشار به إلى المكان البعيد؛ أي: هنالك، (لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ)؛ أي: قبر موسى -عَلَيْهِ السَّلَام-، (إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ)، وفي رواية للبخاريّ: "من جانب الطريق"، (تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ" وفي رواية للبخاريّ: "عند الكثيب الأحمر". و"الكثِيب" بفتح الكاف، وبالمثلّثة، آخره موحّدة، بوزن عَظيم: الرمل المجتمع. وقيل: "الكثيب" قطعة من الرمل مستطيلة، محدودبة، سمّي بذلك؛ لأنه انصبّ في مكان، فاجتمع فيه.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "ثم" -مفتوحة الثاء-: اسم يشار به إلى موضع، فأمَّا "ثُمَّ" -بضم الثاء-: فحَرْف عَطْف، ويعني بالطريق: طريق بيت المقدس، وقد تقدم أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ في طريقه إلى بيت المقدس -ليلة أسري به- بقبر موسى، وهو قائم يصلي فيه، وهذا يدلّ على أنَّ قبر موسى أخفاه الله تعالى عن الخلق، ولم يجعله مشهورًا عندهم، ولعل ذلك لئلا يُعْبَد، والله أعلم.

قال: وقد وقع في الرواية الأخرى: "إلى جانب الطور" مكانَ "الطريق"،


(١) "الفتح" ٧/ ٥٦٨.