وزعم بعضهم أن معنى "فَقَأَ عينه"؛ أي: أبطل حجته. وهو مردود بقوله في نفس الحديث:"فردّ الله عينه"، وبقوله:"لطمه لطمة"، وغير ذلك من قرائن السياق.
وقال ابن قتيبة: إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل، وتمثيل، وليست عينًا حقيقة، ومعنى "ردّ الله عينه"؛ أي: أعاده إلى خِلقته الحقيقية. وقيل: على ظاهره، وردّ الله إلى ملك الموت عينه البشرية؛ ليرجع إلى موسى على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره. وهذا هو المعتمَد.
وجوّز ابن عقيل أن يكون موسى أُذن له أن يفعل ذلك بملك الموت، وأُمر ملك الموت بالصبر على ذلك، كما أُمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أرجح التأويلات عندي ما قاله الإمامان: ابن خزيمة، وابن حبّان، ونُقل عن غيرهما من المتقدمين، رحمهم الله تعالى:
وحاصله: أن موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- لَمْ يعلم أنه ملك الموت، بل ظنه آدميًّا قَصَد نفسه، فدافعه عنها، فأدّت المدافعة إلى فقء عينه، لا أنه قصدها بالفقء، وهذا الجواب اختاره المازريّ، والقاضي عياض، رحمهم الله تعالى كما ذكره النوويّ في "شرحه"، قالوا: وليس في الحديث تصريح بأنه فقأ عينه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قولهم: "ليس في الحديث … إلخ" فيه نظر، فقد صُرّح في "الصحيحين" بقوله: "ففقأ عينه". فتبصّر.
قال: فإن قيل: فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيًا بأنه ملك الموت، فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة، عَلِم بها أنه ملك الموت، فاستسلم، بخلاف المرّة الأولى.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ظاهر هذا الحديث أن ملك الموت تمثّل لموسى في صورة لها عين، وأنه دعاه لقبض روحه، وأن موسى عرف أنه ملك الموت، وأنه لطمه بيده على عينه ففقأها، ولمّا ظهر هذا من هذا الحديث شنَّعته الملحدة، وقالوا: إن هذا كله محال، ولا يصح.
وقد اختَلَفت أقوال علمائنا في تأويل هذا الحديث، فقال بعضهم: كانت عينًا متخيَّلة، لا حقيقة، ومنهم من قال: هي عين معنوية، وإنما فقأها بالحجَّة،