للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القرطبيّ من الاعتراض عليه بأن موسى لو لَمْ يعرف ملك الموت لَمَا صَدَق قول الملك: "يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت".

فالجواب عنه: أن الملك قال ذلك ظنًّا منه أن موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- عرفه، ثم لَمْ يستجب له، لا أنه عرفه حقيقة، ثم صكّه، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.

(المسألة الخامسة): أنه استُدِلّ بهذا الحديث على جواز الزيادة في العمر، وهذا الاستدلال واضح، وهو الصواب من القولين في المسألة.

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللهُ-: وأما نقص العمر وزيادته، فمن الناس من يقول: إنه لا يجوز بحال، ويَحمِل ما ورد على زيادة البركة، والصواب أن يحصل نقص وزيادة عما كُتب في صحف الملائكة، وأمّا عِلم الله تعالى القديم فلا يتغيّر، وأما اللوح المحفوظ، فهل يُغيّر ما فيه؟ على قولين، وعلى هذا يتفق ما ورد في هذا الباب من النصوص. انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وهو كلام نفيس جدًّا.

وقد حقق المسألة العلامة الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وكتب فيه رسالة مفيدة جدًّا، ورجح القول بأن العمر يزيد، وينقص حقيقةً، أحببت إيرادها هنا تتميمًا للفائدة ونشرًا للفائدة: قال رحمه الله تعالى:

[اعلم]: أنه قد طال الكلام من أهل العلم على ما يظهر في بادئ الرأي من التعارض بين هذه الآياتِ الشريفة، وهي قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١١)} [المنافقون: ١١]، وقوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)} [الأعراف: ٣٤]، وقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} الآية [آل عمران: ١٤٥]، فقد قيل: إنها معارضة لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} [الرعد: ٣٩]، وقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} الآية [الأنعام: ٢].

فذهب الجمهور إلى أن العمر لا يزيد، ولا ينقص؛ استدلالًا بالآيات المتقدّمة، والأحاديث الصحيحة، كحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: "إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أربعين يومًا، ثم يكون عَلَقَة مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يَبعث الله ملكًا، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له: