للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالذِّكر؛ لِمَا يُخْشَى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له، فبالغ في ذِكر فَضْله، لسدّ هذه الذريعة. انتهى.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متّى"، وفي رواية: "إن الله تعالى قال: لا ينبغي لعبد لي يقول: أنا خير من يونس بن متّى"، وفي رواية: "عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ما ينبغي لعبد يقول: أنا خير من يونس بن متّى"، قال العلماء: هذه الأحاديث تَحْتَمِل وجهين:

أحدهما: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس، فلمّا عَلِم ذلك قال: "أنا سيد ولد آدم"، ولم يقل هنا: إن يونس أفضل منه، أو من غيره من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-.

والثاني: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال هذا زجرًا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حطِّ مرتبة يونس - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل ما في القرآن العزيز من قصته، قال العلماء: وما جرى ليونس - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُطّه من النبوة مثقال ذرّة، وخَصَّ يونس بالذِّكر؛ لِمَا ذكرناه، مِن ذِكره في القرآن بما ذُكِر.

وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس"، فالضمير في "أنا" قيل: يعود إلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقيل: يعود إلى القائل؛ أي: لا يقول ذلك بعض الجاهلين، من المجتهدين في عبادة، أو عِلم، أو غير ذلك من الفضائل، فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لَمْ يبلغ درجة النبوة، ويؤيد هذا التأويل الرواية التي قبله، وهي قوله تعالى: "لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى"، والله أعلم. انتهى (١).

[تنبيه]: روى قصةَ يونس -عَلَيْهِ السَّلَام- هذه السّدّيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "تفسيره" بأسانيده عن ابن مسعود وغيره: أن الله بعث يونس إلى أهل نِينَوَي، وهي: من أرض الموصل، فكذّبوه، فوعدهم بنزول العذاب في وقت معيَّن، وخرج عنهم مغاضبًا لهم، فلمّا رأوا آثار ذلك خَضَعوا، وتضرعوا، وآمنوا، فرحمهم الله، فكشف عنهم العذاب، وذهب يونس، فركب سفينةً، فلججت به، فاقترعوا فيمن يطرحونه منهم، فوقعت القرعة عليه ثلاثًا، فالتقمه الحوت.


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٣٢ - ١٣٣.