للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسعود - رضي الله عنه -: "لا يقولنّ أحدكم: إني خير من يونس بن متّى"، وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متّي، ونسبه إلى أبيه"، ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الطبرانيّ بلفظ: "لا ينبغي لنبيّ أن يقول. . ." إلخ، قال في "الفتح": وهذا يؤيد أن قوله في الطريق الأُولى: "إني" المراد به النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي رواية للطبراني في حديث ابن عباس: "ما ينبغي لأحد أن يقول: أنا عند الله خير من يونس"، وفي رواية للطحاويّ: "سبَّح الله في الظلمات"، فأشار إلى جهة الخيرية المذكورة.

قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللهُ-: استَعمل في هذا الحديث "أحدًا" في الإثبات لمعنى العموم؛ لأنه في سياق النفي، كأنه قيل: لا أحد أفضل من يونس، والشيء قد يُعطى حكم ما هو في معناه، وإن اختَلَف في اللفظ، فمن ذلك قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} الآية [الأحقاف: ٣٣]، فأجرى في دخول الباء على الخبر مجرى {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ} الآية [يس: ٨١]؛ لأنه بمعناه.

قال: ومن إيقاع "أحد" في الإيجاب المؤوّل بالنفي قول الفرزدق:

وَلَوْ سُئِلَتْ عَنِّي نَوَارِ وَأَهْلُهَا … إِذَا أَحَدٌ لَمْ تَنْطِقِ الشَّفَتَانِ

فإن "أحد" وإن وقع مثبتًا، لكنه في الحقيقة منفيّ؛ لأنه مؤخّر معنى، كأنه قال: إذا لَمْ ينطق أحد. انتهى (١).

[تنبيه]: يونس بن مَتّى -بفتح الميم، وتشديد المثناة، مقصورًا- ومتّى اسم أبيه، ووقع في تفسير عبد الرزاق أنه اسم أمه، وهو مردود بما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ونسبه إلى أبيه"، فهذا أصح، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: ولم أقف في شيء من الأخبار على اتصال نَسَبه، وقد قيل: إنه كان في زمن ملوك الطوائف من الفرس. انتهى (٢).

قال العلماء: إنما قال ذلك تواضعًا، إن كان قاله بعد أن أُعلم أنه أفضل الخلق، وإن كان قاله قبل عِلمه بذلك، فلا إشكال، وقيل: خَصّ يونس


(١) "شواهد التوضيح" ص ٢١٦، و"الكاشف عن حقائق السُّنن" ١١/ ٣٦١٠.
(٢) "الفتح" ٦/ ٤٥١.