للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يفيق"، وهذا دالّ على أنه ممن صَعِق، وتردد في موسى، هل صعق، فأفاق قبله، أم لَمْ يصعق؟ قال: ولو كان المراد الصعقة الأولى للزم أن يكون النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جزم بأنه مات، وتردد في موسى، هل مات أم لا؟ والواقع أن موسى قد كان مات، لِمَا تقدم من الأدلة، فدل على أنَّها صعقة فَزَع، لا صعقة موت، والله أعلم.

ووقع في رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عند ابن مردويه: "أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، فأنفض التراب عن رأسي، فآتي قائمة العرش، فأجد موسى قائمًا عندها، فلا أدري أَنَفَض التراب عن رأسه قبلي، أو كان ممن استثنى الله؟ ".

ويَحْتَمِل قوله في هذه الرواية: "أنفض التراب قبلي" تجويز المعية في الخروج من القبر، أو هي كناية عن الخروج من القبر، وعلى كل تقدير، ففيه فضيلة لموسى -عَلَيْهِ السَّلَام-، كما تقدم. انتهى (١).

[تكميل]: زعم ابن حزم أن النفخات يوم القيامة أربع:

الأولى: نفخة إماتة، يموت فيها من بقي حيًّا في الأرض.

والثانية: نفخة إحياء، يقوم بها كل ميت، وينشرون من القبور، ويجمعون للحساب.

والثالثة: نفخة فزع، وصَعْق، يفيقون منها؛ كالمغشي عليه، لا يموت منها أحد.

والرابعة: نفخة إفاقة من ذلك الغشي.

قال الحافظ: وهذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعًا ليس بواضح، بل هما نفختان فقط، ووقع التغاير في كل واحدة منهما باعتبار من يستمعها، فالأُولى يموت بها كل من كان حيًّا، ويغشى على من لَمْ يمت، ممن استثنى الله، والثانية يعيش بها من مات، ويفيق بها من غُشي عليه، والله تعالى أعلم (٢).

(وَلَا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى -عَلَيْهِ السَّلَام-")، وفي حديث ابن


(١) "الفتح" ٨/ ١٢ - ١٣.
(٢) "الفتح" ٨/ ١٣.