للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكثيب هو بطريق بيت المقدس، كما سيأتي. انتهى (١).

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-:

[فإن قيل]: كيف رأى موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- يصلي في قبره، وصلى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأنبياء ببيت المقدس، ووجدهم على مراتبهم في السماوات، وسلّموا عليه، ورحّبوا به؟.

[فالجواب]: أنه يَحْتَمِل أن تكون رؤيته موسى في قبره عند الكثيب الأحمر كانت قبل صعود النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى السماء، وفي طريقه إلى بيت المقدس، ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء.

ويَحْتَمِل أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى الأنبياء -صلوات الله، وسلامه عليهم- وصلى بهم على تلك الحال لأوّل ما رآهم، ثم سألوه، ورحّبوا به، أو يكون اجتماعه بهم، وصلاته، ورؤيته موسى بعد انصرافه، ورجوعه عن سدرة المنتهي، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

(وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ) قال شيخ الإسلام ابن تيميّة -رَحِمَهُ اللهُ-: هذه الصلاة ونحوها مما يتمتّع بها الميت، ويتنعّم بها كما يتنعّم أهل الجنّة بالتسبيح، فإنهم يُلهمون التسبيح، كما يُلهم الناس في الدنيا النفَسَ، فهذا ليس من عمل التكليف الذي يُطلب له ثواب منفصلٌ، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعّم به الأنفس، وتتلذّذ به، وقول النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلَّا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم يُنتفع به، وولد صالح يدعو له" يريد به العمل الذي يكون له ثواب، لَمْ يُرِدْ به نفس العمل الذي يُتنعم به، فإن أهل الجَنَّة يتنعمون بالنظر إلى الله، ويتنعّمون بذِكره، وتسبيحه، ويتنعمون بقراءة القرآن، و"يقال لقارئ القرآن: اقرأ، وارْقَ، ورَتِّل كما كنت تُرتّل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها"، ويتنعمون بمخاطبتهم لربهم، ومناجاته، وإن كانت هذه الأمور في الدنيا أعمالًا يترتب عليها الثواب، فهي في الآخرة أعمالٌ يتنعم بها صاحبها أعظم من أكله، وشربه، ونكاحه، وهذه كلها أعمال


(١) "المفهم" ٦/ ١٩٢.
(٢) راجع: "شرح النوويّ على مسلم" ٢/ ٢٣٨.