للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيضًا، والأكل والشرب والنِّكَاح في الدنيا مما يؤمر به، ويثاب عليه مع النية الصالحة، وهو في الآخرة نفس الثواب الذي يتنعم به، والله أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقال الشيخ بدر الدين الصاحب -رَحِمَهُ اللهُ- في مؤلَّف له في حياة الأنبياء -عَلَيْهِم السَّلَامْ-: هذا صريح في إثبات الحياة لموسى -عَلَيْهِ السَّلَام- في قبره، فإنه وصفه بالصلاة، وإنه قائم، ومثل ذلك لا يوصف به الروح، وإنما يوصف به الجسد، وفي تخصيصه بالقبر دليل على هذا، فإنه لو كان من أوصاف الروح لَمْ يُحْتَج لتخصيصه.

وقال الشيخ تقي الدين السبكيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: في هذا الحديث أن الصلاة تستدعي جسدًا حيًّا، ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون لابدّ معها كما كانت في الدنيا، من الاحتياج إلى الطعام، والشراب، وغير ذلك من صفات الأجسام التي نشاهدها، بل يكون لها حكم آخر. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

[فإن قيل]: كيف يَحُجُّون، ويُلبّون، وهم أموات، وهم في الدار الآخرة، وليست دار عمل؟.

فاعلم أن للمشايخ، وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة:

أحدها: أنهم كالشهداء، بل هم أفضل منهم، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يحجّوا، ويصلّوا، كما ورد في الحديث الآخر، وأن يتقرّبوا إلى الله تعالى بما استطاعوا؛ لأنهم، وإن كانوا قد تُوفّوا، فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا فنيت مدّتها، وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء، انقطع العمل.

الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذِكْر، ودعاء، قال الله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)} [يونس: ١٠].

الوجه الثالث: أن تكون هذه رؤية منام، في غير ليلة الإسراء، أو في


(١) "مجموع الفتاوى" ٤/ ٣٣.
(٢) راجع: "زهر الربى في شرح المجتبى" للسيوطيّ -رَحِمَهُ اللهُ- ٣/ ٢١٥ - ٢١٦.