بعض ليلة الإسراء، كما قال في رواية ابن عمر -رضي الله عنهما-: "بينا أنا نائم، رأيتني أطوف بالكعبة"، وذكر الحديث في قصة عيسىى -عَلَيْهِ السَّلَام-.
الوجه الرابع: أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُري أحوالهم التي كانت في حياتهم، ومثّلوا له في حال حياتهم، كيف كانوا؟، وكيف حجّهم، وتلبيتهم؛ كما قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كأني أنظر إلى موسى" و"كأني أنظر إلى عيسى"، و"كأني أنظر إلى يونس" -عَلَيْهِم السَّلَامْ-.
الوجه الخامس: أن يكون أَخبر عما أُوحي إليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من أمرهم، وما كان منهم، وإن لَمْ يَرَهُم رؤية عين. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللهُ-.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول الأول هو الأرجح؛ لظواهر النصوص، ولا داعي إلى هذه التأويلات البعيدة عن ظواهر الأحاديث، فتفطّن، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى وليّ التوفيق.
ثم رأيت القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- قد أجاد، وأفاد في هذا الموضوع، حيث قال: وهذا الحديث يدلّ بظاهره على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة، وأن موسى كان في قبره حيًّا، يصلي فيه الصلاة التي كان يصلّيها في الحياة، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صحَّ أن الشهداء أحياء يُرزقون، ووجد منهم من لَمْ يتغيّر في قبره من السنين كما ذكرناه، وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أَحرى وأَولى.
[فإنْ قيل]: كيف يصلَّون بعد الموت، وليس تلك الحال حال تكليف؟.
[فالجواب]: أن ذلك ليس بحكم التكليف، وإنَّما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حبِّبت لهم عبادة الله تعالى، والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عُرفوا به، فتكون عبادتهم إلهاميَّة كعبادة الملائكة، لا تكليفية، وقد وقع مثل هذا لثابت البنانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، فإنَّه حُبِّبت الصلاة إليه حتى كان يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا يصلّي لك في قبره، فأعطني ذلك، فرآه مُلْحِدُه، بعدما سوَّى عليه لَحْده قائمًا يصلي في قبره، وقد دلَّ على صحة ذلك كله قول نبينا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يموت المرء على ما عاش عليه، ويُحشر على ما مات عليه"، وقد جاء في الصحيح: "أن أهل الجنَّة يُلهمون