على حسب ما أصّلنا قبلُ، ثم رُفع له سدرة المنتهي، فرآها على الحالة التي وَصَفَ، ثم فُرض عليه خمسون صلاةً، وهذا أمرُ ابتلاءٍ، أراد الله جل وعلا ابتلاء صفيه محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث فرض عليه خمسين صلاةً؛ إذ كان في علم الله السابق أنه لا يَفرض على أمته إلَّا خمس صلوات فقط، فأمَره بخمسين صلاةً أمْر ابتلاء، وهذا كما نقول: إن الله جل وعلا قد يأمر بالأمر، يريد أن يأتي المأمور به إلى أمره، من غير أن يريد وجود كونه، كما أمر الله جل وعلا خليله إبراهيم بذبح ابنه، أمْره بهذا الأمر أراد به الانتهاء إلى أمْره دون وجود كونه، فلما أسلما وتلّه للجبين، فداه بالذبح العظيم؛ إذ لو أراد الله جل وعلا كون ما أَمر لوُجِد ابنه مذبوحًا، فكذلك فرض الصلاة خمسين أراد به الانتهاء إلى أَمْره دون وجود كونه، فلما رجع إلى موسى، وأخبره أنه أُمر بخمسين صلاةً كل يوم، أَلهم الله موسى أن يسأل محمدًا - صلى الله عليهما وسلم - بسؤال ربه التخفيف لأمته، فجعل جل وعلا قول موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- له سببًا لبيان الوجود لصحة ما قلنا: إن الفرض من الله على عباده أراد إتيانه خمسًا، لا خمسين، فرجع إلى الله جل وعلا، فسأله، فوضع عنه عشرًا، وهذا أيضًا أمْر ابتلاء أريد به الانتهاء إليه، دون وجود كونه، ثم جعل سؤال موسى -عَلَيْهِ السَّلَام- إياه سببًا لنفاذ قضاء الله جل وعلا في سابق علمه، أن الصلاة تُفرض على هذه الأمة خمسًا لا خمسين، حتى رجع في التخفيف إلى خمس صلوات، ثم ألهم الله جل وعلا صفيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينئذ، حتى قال لموسى: قد سألت ربي، حتى استحييت، لكني أرضى وأسلّم، فلما جاوز ناداه منادٍ: أمضيتُ فريضتي، أراد به الخمس صلوات، وخففت عن عبادي، يريد عن عبادي مِن أمْر الابتلاء الذي أمرتهم به من خمسين صلاةً التي ذكرناها، وجملة هذه الأشياء في الإسراء رآها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجسمه عيانًا، دون أن يكون ذلك رؤية، أو تصويرًا صُوِّرَ له؛ إذ لو كان ليلة الإسراء، وما رأى فيها نومًا دون اليقظة لاستحال ذلك؛ لأنَّ البشر قد يرون في المنام السماوات، والملائكة، والأنبياء، والجنة، والنار، وما أشبه هذه الأشياء، فلو كان رؤية المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما وُصف في ليلة الإسراء في النوم دون اليقظة، لكانت هذه حالة يستوي فيها معه البشر؛ إذ هم يرون في مناماتهم مثلها، واستحال فضله، ولم تكن تلك حالة معجزة يُفضَّل بها على