هريرة، وهو الظاهر، أو من كلام غيره من الرواة، وقوله:(اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى-) بنصب "اللهَ" على أنه مفعول به لـ"يعني"، وأشار به إلى أن فاعل "قال" ضمير الله تبارك وتعالي، على قول من يقول: إن الفاعل لا يُحذف، وهم الجمهور، كما أشار إليه ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:
وأجاز الكسائيّ حذف الفاعل، وعليه فالمقدّر هنا لفظ الجلالة لا ضميره، فتنبّه.
قوله:(لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ لِي) مقول "قال"، قال الخطابي -رَحِمَهُ اللهُ-: معناه: ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس -عَلَيْهِ السَّلَام-، ويَحْتَمِل أن يراد: ليس لأحد أن يفضلني عليه، قال هذا منه على مذهب التواضع، والهضم من النفس، وليس مخالفًا لقوله:"أنا سيد ولد آدم"؛ لأنه لَمْ يقل ذلك مفتخرًا، ولا متطاولًا به على الخلق، وإنما قال ذلك ذاكرًا للنعمة، ومعترفًا بالمنّة، وأراد بالسيادة ما يُكرم به في القيامة، وقيل: قال ذلك قبل الوحي بأنه سيد الكل، وخيرهم، وأفضلهم، وقيل: قاله زجرًا عن توهم حطّ مرتبته؛ لِمَا في القرآن من قوله تعالى:{وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}[القلم: ٤٨]، وهذا هو السبب في تخصيص يونس -عَلَيْهِ السَّلَام- بالذكر من بين سائر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- (١).
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متّى"؛ أي: لا يصلح، ولا يجوز، و"لعبدٍ" منوَّن مُنكر؛ أي: لعبد من عباد الله، وفي الرواية الأخرى:"لعبدي" بإضافته إلى ياء المتكلم، وهو الله تعالى في هذه الرواية، فَيَحْتَمِل أن يراد به النكرة، فتكون إضافته غير محضة، كما قال الشاعر [من الرجز]:
فأدخل "رُبَّ" على "سائلي" مع أنه مضاف إلى ياء المتكلم، فدلّ على أنه لَمْ يُرِد به سائلًا واحدًا، فكأنه قال: وربّ سائلٍ، وكذلك الوطن في قوله: عن وطني؛ لأنَّ الجملة التي بعده صفة له؛ أي: عن وطن لَمْ ينب بي جنابه؛ أي: