غير ناب، ويصح أن تكون إضافة "عبدي" محضة، ومعرِّفة، ويعني به: عبدي المكرَّم عندي، كما قال:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الآية [الحجر: ٤٢]؛ أي: عبادي المكرمون عندي، والمشرَّفون لديّ، وقد شهد لهذا المعنى ما قد روي في كتاب أبي داود في هذا الحديث:"لا ينبغي لنبيّ أن يقول: أنا خير من يونس"، كما قد روي أيضًا ما يشهد بتنكير "عبد" في كتاب مسلم: "لا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس"، وعلى هذا فَيُقَيَّد مطلق الرواية الأولى بمقيّد هذه الرواية، فيكون معناه: لا ينبغي لعبدٍ نبيٍّ أن يقول: أنا خير من يونس، وهذا هو الأَولى؛ لأنَّ من ليس بنبي لا يمكنه بوجه أن يقول: أنا أفضل من النبيّ؛ لأنه من المعلوم الضروريُّ عند المتشرِّعين أن درجة النبيّ لا يبلغها وليٌّ، ولا غيره؛ وإنما يمكن ذلك في الأنبياء؛ لأنهم -صلوات الله وسلامه عليهم- قد تساووا في النبوة، وتفاضلوا فيما بينهم بما خُصَّ به بعضهم دون بعض؛ فإنَّ منهم من اتخذه الله خليلًا، ومنهم من اتخذه حبيبًا، ومنهم أولو العزم، ومنهم من كلَّم الله، على ما هو المعروف من أحوالهم، وقد قال الله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية [البقرة: ٢٥٣].
[فإن قيل]: إذا كانوا متفاضلين في أنفسهم، فكيف يُنهَى عن التفضيل؟، وكيف لا يقول من هو في درجة عليا: أنا خير من فلان، لمن هو دونه، على جهة الإخبار عن المعنى الصحيح؟.
[فالجواب]: أن مقتضى هذا الحديث المنع من إطلاق ذلك اللفظ، لا المنع من اعتقاد معناه أدبًا مع يونس -عَلَيْهِ السَّلَام-، وتحذيرًا من أن يُفْهَم في يونس نقص من إطلاق ذلك اللفظ، وإنما خَصَّ يونس -عَلَيْهِ السَّلَام- بالذكر في هذا الحديث؛ لأنَّه لما دعا قومه للدخول في دينه، فأبطؤوا عليه ضجر، واستعجل بالدعاء عليهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، وفرَّ منهم، فرأى قومُهُ دخانًا، ومقدمات العذاب الذي وعدهم به، فآمنوا به، وصدَّقوه، وتابوا إلى الله تعالى، فردُّوا المظالم، حتى ردُّوا حجارة مغصوبة كانوا بَنَوْها، ثم إنهم فرّقوا بين الأمهات، وأولادهم، ودعوا الله تعالى، وضجُّوا بالبكاء والعويل، وخرجوا طالبين يونس، فلم يجدوه، فلم يزالوا كذلك، حتى كشف الله عنهم العذاب، ومَنَعهم إلى حين، وهم أهل نِينُوى من بلاد الموصل، على شاطئ دجلة، ثم إن