٤ - (ومنها): أن العالم يجوز له أن يجيب بحسب ما يظهر له، ولا يلزمه أن يستفصل السائل عن تعيين الاحتمالات، إلَّا إن خاف على السائل غلطًا، أو سوء فهم، فيستفصله (١).
٥ - (ومنها): ما قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قول السائل: "من أكرم الناس؟ "؛ معناه: مَن أَولى بهذا الاسم، ولذلك أجابه النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجواب كُلِّيّ، فقال:"أتقاهم"، وهذا مُنْتَزَعٌ من قوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الآية [الحجرات: ١٣]، فلما قالوا: ليس عن هذا نسألك، نَزَل عن ذلك إلى ما يقابله، وهو الخصوص بشخص معين، فقال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؛ لأنَّه نبيّ ابن نبيّ ابن نبيّ ابن نبيّ، فإنَّ هذا لَمْ يجتمع لغيره من ولد آدم، فهو أحقّ الناس المعنيِّين بهذا الاسم، فلما قالوا: ليس عن هذا نسألك تبيّن له أنهم سألوه عمن هو أحقّ بهذا الاسم من العرب، فأجابهم بقوله:"فعن معادن العرب تسألوني؟ "؛ أي: عن أكرم أصولها، وقبائلها؟ وقد تقدَّم أن المعدن هو مأخوذ من عَدَن؛ أي: أقام، والعَدْن: الإقامة، ولمّا كانت أصول قبائل العرب ثابتةً سُمِّيت معادن، ثم قال:"خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، فمعنى هذا: أن من اجتمع له خصال شرف زمن الجاهلية، من شرف الآباء، ومكارم الأخلاق، وصنائع المعروف، مع شرف دين الإسلام، والتفقه فيه، فهو الأحق بهذا الاسم، وقد تقدَّم أن الكرم: كثرة الخير، والنفع، ولمّا كان تقوى الله تعالى هو الذي حصل به خير الدنيا والآخرة مطلقًا، كان المتّصف به أحقّ؛ فإنَّه أكرم الناس، لكن هذه قضية عامة، فلما نظر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيمن تعيَّن في الوجود بهذه الصفة، ظهر له أن الأنبياء أحقّ بهذا المعنى؛ إذ لا يبلغ أحد درجتهم، وإن أحقَّهم بذلك من كان مُعْرِقًا في النبوة، وليس ذلك إلَّا يوسف -عَلَيْهِ السَّلَام-، كما ذَكَرَ، ويخرج منه الردّ على من قال: إن إخوة يوسف كانوا أنبياء؛ إذ لو كانوا كذلك لشاركوا يوسف في ذلك المعنى.