للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جلست عند ابن عباس، وعنده قوم من أهل الكتاب، فقال بعضهم: يا أبا عبد الله، إن نوفًا ابن امرأة كعب يزعم عن كعب أن موسى النبيّ الذي طلب الخضر، إنما هو موسى بن ميشا، فقال ابن عباس: كذب نوف، وحدثني أُبَيّ، وذكر الحديث. انتهى (١).

(فَقَالَ)؛ أي: ابن عبّاس، (كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ) جملة من الفعل والفاعل مقول "قال"، قال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله "كذب عدوّ الله" قولٌ أصدره غضبٌ على من يتكلم بما لم يصح، فهو إغلاظ، وردع، وقد صار غير نوفٍ إلى ما قاله نوف، لكن الصحيح ما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- على ما حكاه في الحديث. انتهى (٢).

وقال ابن التين: لم يُرِد ابن عباس إخراج نوف عن ولاية الله، ولكن قلوب العلماء تنفر إذا سمعت غير الحقّ، فيطلقون أمثال هذا الكلام؛ لقصد الزجر، والتحذير منه، وحقيقته غير مرادة.

قال الحافظ: ويجوز أن يكون ابن عباس اتَّهَم نوفًا في صحة إسلامه، فلهذا لم يقل في حقّ الحرّ بن قيس هذه المقالة، مع تواردهما عليها.

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله ابن التين هو الأقرب، ولا يلزم عدم قوله ذلك في حقّ الحرّ بن قيس أن نظنّ بابن عبّاس هذا، فإن نوفًا رجل معروف صالح عالم، كما سبق في ترجمته، غير أنه أخطأ في هذه المسألة، فغضب عليه ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، وقال ما تقدّم، فتأمل بالإمعان.

وقد أجاد العينيّ -رحمه الله- في "العمدة" حيث قال: قوله: "كذب عدو الله" هكذا وقع من ابن عباس -رضي الله عنهما- على طريق الإغلاظ على القائل بخلاف قوله، وألفاظ الغضب تجيء على غير الحقيقة في الغالب، وابن عباس قاله على وجه الزجر عن مثل هذا القول؛ لا أنه يعتقد أنه عدو لله، ولدينه حقيقةً، إنما قاله مبالغة في إنكاره، وكان ذلك في حال غضب ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ لشدة الإنكار، وحال الغضب تُطلق الألفاظ، ولا يراد بها حقائقها. انتهى (٣).

قال الحافظ -رحمه الله-: وأما تكذيبه فيستفاد منه أن للعالم إذا كان عنده علم


(١) "عمدة القاري" ٢/ ١٩٣.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٩٣.
(٣) "عمدة القاري" ٢/ ١٩٣.