للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا ينصرف بحال، ذكره في "العمدة" (١).

حال كونه (خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ) لم يُعرف السائل (٢). (أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ) موسى -عليه السلام- (أنَا أَعْلَمُ) قيل: إنه مخالف لقوله في الرواية الأخرى في جواب "هل تعلم أحدًا أعلم منك؟، قال: لا"، قال الحافظ: وعندي لا مخالفة بينهما؛ لأن قوله هنا: "أنا أعلم"؛ أي: فيما أعلم، فيطابق قوله: "لا" في جواب من قال له: "هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ " في إسناد ذلك إلى عِلمه، لا إلى ما في نفس الأمر.

وعند النسائيّ من طريق عبد الله بن عبيد، عن سعيد بن جبير، بهذا السند: "قام موسى خطيبًا، فَعَرَض في نفسه أن أحدًا لم يؤت من العلم ما أوتي، وعَلِم الله بما حدّث به نفسه، فقال: يا موسى إن من عبادي من آتيته من العلم ما لم أوتك".

وعند عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير: "فقال: ما أجد أحدًا أعلم بالله، وأمْره مني"، وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي إسحاق، بلفظ: "ما أعلم في الأرض رجلًا خيرًا، أو أعلم مني".

قال ابن المنير: ظَنّ ابن بطال أن تَرْك موسى الجواب عن هذه المسألة كان أَولى، قال: وعندي أنه ليس كذلك، بل رَدّ العلم إلى الله تعالى متعيّن، أجاب أو لم يجب، فلو قال موسى -عليه السلام-: أنا والله أعلم، لم تحصل المعاتبة، وإنما عوتب على اقتصاره على ذلك؛ أي: لأن الجزم يوهم أنه كذلك في نفس الأمر، وإنما مراده الإخبار بما في علمه، كما قدّمناه، والعتب من الله تعالى محمول على ما يليق به، لا على معناه العرفي في الآدميين، كنظائره. انتهى.

وقال في "العمدة": قال ابن بطال: كان ينبغي أن يقول: الله أعلم، إذا قيل له: أيُّ الناس أعلم؛ لأنه لم يُحط علمًا بكل عالم في الدنيا، وقد قالت الملائكة: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} الآية [البقرة: ٣٢]، وسئل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الروح وغيره، فقال: لا أدري حتى أسأل الله تعالى.

وقال بعض الفضلاء ردًّا على ابن بطال في حصر الصواب في ترك


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٥٩.
(٢) "تنبيه المعلم" ص ٤٠٣.