للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على لوط -عليه السلام- حيث قال: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)} [هود: ٨٠]، وسيأتي تكميل هذا المعنى في "كتاب التفسير" - إن شاء الله تعالى.

فكان الأَولى بموسى -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: الله أعلم بمن هو أعلم الناس، لكن لمّا لم يعلم في زمانه رسولًا آتاه الله كتابًا فيه عِلْم كل شيء، وتفصيل الأحكام سواه، قال ذلك حسب ما كان في علمه، لكنه تعالى لم يرض منه بذلك لكمال معرفته بالله تعالى، ولعلوِّ منصبه، وفي بعض طرق البخاريّ: أن السائل قال لموسى: هل في الأرض أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه.

قال القرطبيّ: وهذان اللفظان هما اللذان يتوجَّه العتب على موسى فيهما، وقد رُوي بألفاظ أخر يبعد توجُّه العتب عليها، فقد روي أنه قال: لا أعلم في الأرض خيرًا، ولا أعلم مني. وفي أخرى: قيل له: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا، فهذان اللفظان قد نَفَى فيهما العلم فيما سئل عنه عن نفسه، وهو حقّ صحيح، وتبرؤ صريح، فكيف يتوجه على من قال مثل ذلك عتب، أو يُنسب إلى تقصير؛ فالصحيح من حيث المعنى أن الذي صدر من موسى -صلى الله عليه وسلم- معنى اللفظين السابقين؛ فإنَّه جزم فيهما بأنه أعلم أهل الأرض، وهذا محل العتب على مثله، فإنَّه كان الأَولى به أن يفوِّض علم ذلك إلى الله تعالى، وهذا يدلّ على صحة ما قلناه فيما تقدَّم من أن الذنوب المنسوبة إلى الأنبياء المعدَّدة عليهم، إنما هي من باب ترك الأَولى، وعوتبوا عليها بحسب مقاديرهم، فإن حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين. انتهى (١).

(فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ) إلى موسى -عليه السلام-، (أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي) هو: خضر، واسمه: بليا بن مَلْكان، على ما قاله بعض المفسرين، وسُمِّي الخضر، لِمَا أخرجه الترمذيّ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما سُمِّي الخضر؛ لأنه جلس على فَرْوة (٢) بيضاء، فاهتزت تحته خضراء"، وقال: هذا حديث حسن صحيح.


(١) "المفهم" ٦/ ١٩٤ - ١٩٥.
(٢) "الفروة" -بفتح، فسكون- الأرض التي ليس بها نبات.