للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خليج إلى الأندلس وطنجة. انتهى (١).

(هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "هو أعلم منك"؛ أي: بأحكام وقائع مفصَّلة، وحكم نوازل معيَّنة، لا مطلقًا، بدليل قول الخضر لموسى: "إنَّك على علم علَّمكه الله لا أعلمه أنا، وأنا على علم علَّمنيه الله لا تعلمه أنت"، وعلى هذا فيَصْدُق على كل واحد منهما أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه كل واحد منهما، ولا يعلمه الآخر.

فلما سمع موسى هذا تشوَّفت نفسه الفاضلة، وهمَّته العالية لتحصيل علم ما لم يعلم، وللقاء من قيل فيه: إنه منك أعلم، فعزم، فسأل سؤال الدَّليل كيف السبيل؟ فأُمر بالإرتحال على كل حال، وقيل له: احمل معك حوتًا مالِحًا في مِكتل، وهو الزنبيل، فحيث يحيا، وتَفْقِده فثمَّ السبيل، فانطلق مع فتاه لِمَا واتاه، مجتهدًا طالبًا قائلًا: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: ٦٠]، والْحُقُب: بضم الحاء، والقاف: الدهر، والجمع حِقَابٌ، مثلُ قُفّ وقِفَافٍ، وبضم الحاء وسكون القاف، ثمانون سنة، ويقال: أكثر من ذلك، والجمع حِقَاب، والحقبة بكسر الحاء، واحدة الْحِقَب، وهي: السنون. انتهى من "الصحاح" (٢).

قال: وفيه من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم، والصَّاحب، واغتنام لقاء الفضلاء، والعلماء، وإن بَعُدَت أقطارهم، وذلك كان دأب السَّلف الصالح، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السعي الناجح، فرسخت في العلوم لهم أقدام، وصحَّ لهم من الذِّكر والأجر أفضل الأقسام.

ثم إن موسى -صلى الله عليه وسلم- أزعجه القلق، فانطلق مغمورًا بما عنده من الشوق والحرق، يمشي مع فتاه على الشطّ، ولا يبالي بمن حطَّ، لا يجد نصبًا، ولا يُخطئ سببًا، إلى أن أويا إلى الصخرة، فناما في ظِلِّها، قال بعض المفسرين: وكانت على مجمع البحرين، وعندها ماء الحياة، حكى معناه الترمذيّ عن سفيان بن عيينة، فانتضح منه على الحوت، فحيي، واضطرب، فخرج من


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٥٩.
(٢) "الصحاح" ص ٢٤٩.