للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على أنه لا يجوز الاعتراض بالعقل على الشرع خطأ؛ لأن موسى إنما اعترض بظاهر الشرع، لا بالعقل المجرد، ففيه حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه، ولو كان مستقيمًا في باطن الأمر. انتهى (١).

(قَالَ مُوسَى) -عليه السلام- (أَيْ) حرف نداء، (رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ) بكسر الميم أمْر مِن حَمَل، من باب ضرب. (حُوتًا)؛ أي: سمكةً، قيل: حَمَل سمكة مملوحة، وقيل: ما كانت إلا شقّ سمكة، (فِي مِكْتَلٍ) بكسر الميم، وفتح المثنّاة من فوقُ: هو الزنبيل، ويقال: الْقُفّة، ويقال: فوق القُفّة، والزنبيلِ، وفي "العباب": الْمِكَتَل يُشبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعًا (٢).

وفي رواية أخرى: "فجعل الله له آية"؛ أي: علامة لمكان الخضر، ولقائه، وذلك أنه لما قال موسى -عليه السلام-: أين أطلبه؟ قال الله تعالى له: على الساحل عند الصخرة، قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتل، فحيث فقدته، فهو هناك.

(فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ) المحمول (فَهُوَ)؛ أي: العبد الأعلم منك، (ثَمَّ) بفتح المثلّثة، وتشديد الميم؛ أي: هنالك. (فَانْطَلَقَ) موسى -عليه السلام-، (وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ، وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ) هو الذي قام في بني إسرائيل بعد موسى -عليه السلام-، ونقل ابن العربيّ أنه كان ابن أخت موسى، وزعم ابن العربيّ أن ظاهر القرآن يقتضي أن الفتى ليس هو يوشع، وكأنه أخذه من لفظ الفتى، وأنه خاصّ بالرقيق، وليس بجيّد؛ لأن الفتى مأخوذ من الفَتَاءِ، وهو: الشباب، وأُطلق ذلك على من يخدُم، سواء كان شابًّا، أو شيخًا، كذا في "الفتح". (فَحَمَلَ مُوسَى -عليه السلام- حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، وَانْطَلَقَ هُوَ، وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ) زاد في رواية: "على ساحل البحر"، (حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى -عليه السلام-، وَفَتَاهُ فَاضْطَرَبَ)؛ أي: حَيِيَ، وتحرك (الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ) قيل: إن يوشع حمل الخبز والحوت في المكتل، فنزلا ليلة على شاطئ عين، تسمى عين الحياة، فلما أصاب السمكة رُوح الماء وبَرده عاشت، وقيل: توضأ يوشع من تلك العين، فانتضح الماء على الحوت،


(١) "الفتح" ١/ ٣٨٢، كتاب "العلم" رقم (١٢٢).
(٢) "عمدة القاري" ٢/ ١٨٩.