للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن غريب ما روي في البخاريّ عن ابن عباس من قصص هذه الآية: أن الحوت إنما حيي لأنه مسّه ماء عين هناك تدعى عين الحياة، ما مسّت قط شيئًا إلا حيى.

وفي التفسير: إن العلامة كانت أن يحيا الحوت، فقيل: لمّا نزل موسى بعدما أجهده السفر على صخرة إلى جنبها ماء الحياة، أصاب الحوت شيء من ذلك الماء فحيى.

وقال الترمذي في حديثه: قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة، ولا يصيب ماؤها شيئًا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أُكل منه، فلما قَطَر عليه الماء عاش.

وذكر صاحب كتاب "العروس" أن موسى -عليه السلام- توضأ من عين الحياة، فقطرت من لحيته على الحوت قطرة فحيى، والله أعلم (١).

(فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا) بالجر على الإضافة، (وَلَيْلَتَهُمَا) الأَولى أنه بالنصب عطفًا على "بقيّةَ"؛ إذ المراد سير جميعه، بخلاف اليوم فإن السير في بقيّته؛ إذ ناما أوله، وسارا آخره، فهو البقيّة، وأما الليل، فسارا جميعه؛ بدليل قوله: "فلما أصبح"، فليُتنبّه، قال في "الفتح": قوله: "فانطلقا بقية ليلتهما" بالجرّ على الإضافة، و"يومهما" بالنصب على إرادة سير جميعه، ونبه بعض الحذّاق على أنه مقلوب، وأن الصواب "بقية يومهما، وليلتَهُما" لقوله بعده: "فلما أصبح"؛ لأنه لا يصبح إلا عن ليل. انتهى.

قال الحافظ: ويَحْتَمِل أن يكون المراد بقوله: "فلما أصبح"؛ أي: من الليلة التي تلي اليوم الذي سارا جميعه، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى بُعد هذا الاحتمال، والأولى ما قاله بعض الحذّاق، من أنه مقلوب، بدليل الرواية الأخرى، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "فانطلقا بقية يومهما وليلتهما"؛ يعني: بعد أن قاما من نومهما، ونسيا حوتهما؛ أي: غفلا عنه، ولم يطلباه لاستعجالهما،


(١) "تفسير القرطبيّ" ١١/ ١٤ - ١٥.
(٢) "الفتح" ١/ ٣٨٢ - ٣٨٣.