للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: نسي يوشع الحوت، وموسى أن يأمره فيه بشيء، وقيل: نسي يوشع، فنُسب النسيان إليهما للصحبة؛ كقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)} [الرحمن: ٢٢]؛ وعلى هذا القول يدل قوله في الحديث: "ونسي صاحب موسى أن يخبره"، ويظهر منه أن يوشع أبصر ما كان من الحوت، ونسي أن يخبر موسى في ذلك الوقت. انتهى (١).

(وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى) يوشع بن نون، ونسبة النسيان إليهما في قوله تعالى: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: ٦١] من باب قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)} [الرحمن: ٢٢]، وإنما يخرج من الْمَلِح، وقيل: نَسِي موسى -عليه السلام- أن يتقدم إلى يوشع في أمر الحوت، ونَسِي يوشع أن يخبره بذهابه. (أَنْ يُخْبِرَهُ)؛ أي: بانسلاله من المكتل إلى البحر، (فَلَمَّا أَصْبَحَ)؛ أي: دخل الصباح، (مُوسَى -عليه السلام-، قَالَ لِفَتَاهُ) يوشع (آتِنَا)؛ أي: أعطنا (غَدَاءَنَا) بالفتح، والمدّ: طعام الغداة؛ أي: أول النهار.

قال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا يدلّ على أنهما كانا تزوَّدا، وقيل: كان زادهما الحوت، وكان مملَّحًا، قال: والظاهر من الحديث أنه إنما حمل الحوت معه؛ ليكون فَقْده دليلًا على موضع الخضر، كما تقدَّم من قوله تعالى لموسى: "احمل معك حوتًا في مكتل، فحيث تفقد الحوت فهو ثمَّ"، وعلى هذا فيكون تزوَّدا شيئًا آخر غير الحوت. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ المفسّر: فيه اتخاذ الزاد في الأسفار، وهو ردّ على الصوفية الجهلة الأغمار، الذين يقتحمون المهامه، والقفار، زعمًا منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار، هذا موسى نبيّ الله، وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد، مع معرفته بربه، وتوكله على رب العباد.

وفي "صحيح البخاريّ": إن ناسًا من أهل اليمن كانوا يحجّون، ولا يتزوّدون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قَدِمُوا سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا}. انتهى (٣).


(١) "المفهم" ٦/ ١٩٧.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٩٧.
(٣) "تفسير القرطبيّ" ١١/ ١٣.