للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(لَقَدْ لَقِينَا) بكسر القاف، من باب تَعِب؛ أي: استقبلنا، وصادفنا (مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)؛ أي: تعبًا ومشقّةً، قيل: عَنَى به هنا: الجوع، وفيه دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الآلام، والأمراض، وأن ذلك لا يقدح في الرّضا، ولا في التسليم للقضاء، لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر، ولا تسخُّط (١).

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (وَلَمْ يَنْصَبْ) بفتح الصاد، من باب تعِب وزنًا ومعنًى؛ أي: لم يتعب موسى (حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ) بالبناء للمفعول؛ أي: أمَره الله تعالى بالوصول إليه، وعدم مجاوزته؛ لأن الخضر هناك.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: أي: لم يجد موسى أَلَم النَّصب، إلا بعد أن جاوز موضع فَقْد الحوت، وكان الله تعالى جَعَل وجدان النَّصَب سبب طلب الغداء، وجعل طلب الغداء سبب تذكّر ما كان من الحوت، ومن هنا قيل: إن النَّصب هنا هو الجوع. انتهى (٢).

(قَالَ) يوشع (أَرَأَيْتَ)؛ أي: أخْبِرني، وفيه حَذْف، تقديره: أرأيت ما دهاني؟ (إِذْ أَوَيْنَا)؛ أي: وقت إيوائنا (إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي) الفاء فيه تفسيرية، يُفَسِّر بها ما دهاه من نسيان الحوت، حين أويا إلى الصخرة. (نَسِيتُ الْحُوتَ)؛ أي: نسيت تفقّد أمره، وما يكون منه، مما جُعل أمارة على الظفر بالطَّلِبَةِ، من لقاء الخضر -عليه السلام-.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا قول يوشع جوابًا لموسى، وإخبارًا له عما جرى، ومعنى {أَوَيْنَا}: انضممنا، وهي هنا بقصر الهمزة؛ لأنه لازم، وقد تقدَّم ذِكر الخلاف في المتعدّي في قَصْرِه ومدّه، ونسبة الفتى النسيان إلى نفسه نسبة عاديةٌ، لا حقيقية. انتهى (٣).

(وَمَا أَنْسَانِيهُ) بضم الهاء في رواية حفص، وبكسرها في رواية غيره، (إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: "أن" مع الفعل بتأويل المصدر، وهو منصوب بدل اشتمال من الضمير في "أنسانيه"، وهو بدل الظاهر من المضمَر،


(١) "المفهم" ٦/ ١٩٧.
(٢) "المفهم" ٦/ ١٩٨.
(٣) "المفهم" ٦/ ١٩٨.