للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا إنما ذَكره يوشع في معرض الاعتذار، وذلك أن في البخاريّ: أن موسى -عليه السلام- قال لفتاه: "لا أُكلِّفك إلا أن تُخبرني بحيث يفارقك الحوت"، فاعتذر بذلك القول؛ ويعني بذلك: أن الشيطان سبب للنسيان، والغفلة بما يورده على القلب من الخوض في غير المعنى المطلوب، ومن المعلوم أن النسيان لا صُنع فيه للإنسان، وأنه مغلوب عليه، ولذلك لم يؤاخذ الله تعالى به؛ وإنَّما محل المؤاخذة الإهمال والتفريط، والانصراف عن الأمور المهمة إلى ما ليس بمهم، حتى ينسى المهم، وهذا هو فعل الشيطان المذموم أن يَشغَل ذكر الإنسان بما ليس بمهم، ويزيّنه له حتى ينصرف عن المهم، فيذم على ذلك، ويُعاقب، فيحصل مقصود الشيطان من الإنسان. انتهى (١).

(وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)؛ أي: اتخذ الحوت طريقه في البحر عجبًا تعجب منه يُوشع، ويتعجب به غيره ممن شاهده، أو سمع قضيته. (قَالَ مُوسَى) عليه السلام (ذَلِكَ)؛ أي: فِقدان الحوت، (مَا كُنَّا نَبْغِي)؛ أي: هو الذي كنا نطلبه؛ لأنه علامة وجدان المقصود.

وقال في "العمدة": قوله: "ما كنا نبغي" كلمة "ما" موصولة، والعائد محذوف؛ أي: نبغيه، ويجوز حذف الياء من "نبغي"؛ للتخفيف، وهكذا قُرئ أيضًا في السبعة، وإثباتها أحسن، وهي قراءة أبي عمرو. انتهى (٢).

وقال السمين الحلبيّ -رحمه الله-: حَذَف نافع، وأبو عمرو، والكسائيّ ياء "نبغي" وقفًا، وأثبتوها وصلًا، وابن كثير أثبتها في الحالين، والباقون حذفوها في الحالين؛ اتّباعًا للرسم، وكان من حقّها الثبوت، وإنما حُذفت تشبيهًا بالفواصل، أو لأن الحذف يؤنس بالحذف، فإن "ما" موصولة، حُذف عائدها. انتهى (٣).

(فَارْتَدَّا)؛ أي: رجعا (عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا)؛ أي: يتّبعان آثار أقدامهما اتّباعًا؛ لئلا يخطئا طريقهما، (حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ،


(١) "المفهم" ٦/ ١٩٨.
(٢) "عمدة القاري" ٢/ ١٩٢ بتصرّف يسير.
(٣) "الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون" ٧/ ٥٢٤.