للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ: ولا بُعد فيما ظهر من رواية مسلم؛ لأنَّ الخضر إن كان نبيًّا، فقد اكتفى بما تعبَّده الله به من الأحكام، وإن كان غير نبيّ، فليس متعبّدًا بشريعة بني إسرائيل؛ إذ يمكن أن لا يكون منهم، والله أعلم، وسيأتي القول في نبوّته.

وأما مساق رواية البخاريّ، فهو مساق حسن لا يَرِد عليه من هذا الاستبعاد شيء؛ لأنَّ مقتضاه أن لكل واحد منهما عِلمًا خاصًّا به، لا يعلمه الآخر، ويجوز أن يشتركا في علم التوراة، أو غيرها مما شاء الله أن يشركهما فيه من العلوم، ويظهر لي أن الذي خُصَّ به موسى -صلى الله عليه وسلم- العلم بالأحكام، والمصالح الكلية التي تنتظم بها مصالح الدنيا؛ لأنَّه أُرسل إلى عامة بني إسرائيل. انتهى (١).

(قَالَ لَهُ مُوسَى) -عليه السلام- ({هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}) منصوب على أنه مفعول ثان لـ "تعلّمن"، وهذا من موسى -عليه السلام- سؤال ملاطفة؛ أي: هل يمكن كوني معك، حتى أتعلم منك؟ فأجابه بما يقتضي أن ذلك ممكن لولا المانع الذي من جهتك، وهو عدم صبرك.

وقال أبو عبد الله القرطبيّ: هذا سؤال الملاطِف، والمخاطب المستنزل المبالغ في حسن الأدب، والمعنى: هل يتفق لك، ويخفّ عليك؟ وهذا كما في الحديث: "هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ "، وعلى بعض التأويلات يجيء كذلك قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: ١١٢].

قال: وفيه دليل على أن المتعلم تَبَع للعالم، وإن تفاوتت المراتب، ولا يُظَنّ أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل منه، فقد يَشِذّ عن الفاضل ما يعلمه المفضول، والفضل لمن فضّله الله، فالخضر إن كان وليًّا فموسى أفضل منه؛ لأنه نبيّ، والنبيّ أفضل من الوليّ، وإن كان نبيًّا فموسى فَضَلَه بالرسالة، والله أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد أسلفنا أن الحقّ أنه نبيّ، وسيأتي تمام تحقيقه قريبًا -إن شاء الله تعالى-.


(١) "المفهم" ٦/ ٢٠١ - ٢٠٢.
(٢) "تفسير القرطبيّ" ١١/ ١٧.