للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن ردَّ عليه السلام، لا قبله، كما قد ذكرناه، ومساق هذه الرواية يدل: على أن اجتماع موسى -صلى الله عليه وسلم- بالخضر كان في البرّ عند الصخرة، وهو ظاهر قوله: "حتى إذا أتى الصخرة، فرأى رجلًا مسجَّى"، وفي بعض طرق البخاريّ: "حتى أتى الصخرة، فإذا رجل مسجَّى"، فعَطَفه بالفاء المعقبة، وإذا المفاجئة، غير أنه قد ذَكَر البخاريّ ما يقتضي أنه رآه في كبد البحر، وذلك أنه قال فيها: "فوجد خضرًا على طنفسة خضراء، على كبد البحر، مسجَّى بثوبه، وجعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه"، و"كبد البحر": وسطه، وهذا يدلّ على أنه اجتمع به في البحر، ويَحْتَمِل أن موسى مشى على الماء، وتلاقيًا عليه، وهذا لا يُستبعد على موسى والخضر، فإنَّ الذي خُرِق لهما من العادة أكثرُ من هذا وأعظمُ، وعلى هذا فهذه الزيادة تُضم إلى الرواية المتقدِّمة، ويُجمع بينهما بأن يقال: إن وصول موسى للصخرة، واجتماعه مع الخضر كان في زمان متقارب، أو وقت واحد لطيِّ الأرض، وتسخير البحر، والقدرة صالحة، وهذه الحالة خارقة للعادة؛ ولمّا كان كذلك عبَّر عنها بصيغ التعقيب، والاتصال، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ) حرف جواب في الإيجاب، فكأنه قال: أنا موسى بني إسرائيل، فهو نصٌّ في الرد على نوفٍ، وعلى من قال بقوله، وهم أكثر اليهود (٢).

(قَالَ) الخضر لموسى -عليه السلام- بعد أن طلب منه التعلم، ففي الرواية التالية: "قال: مجيء ما جاء بك؟ قال: جئت لتعلّمني مما عُلّمت رشدًا". (إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَكَهُ اللهُ، لَا أَعْلَمُهُ) أنا، (وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَنِيهِ، لَا تَعْلَمُهُ) أنت، قال القرطبيّ -رحمه الله-: ظاهر هذا أن الخضر كان لا يعلم التوراة، ولا ما علّمه موسى من الأحكام، وقد جاء هذا الكلام في بعض روايات البخاريّ بغير هذا اللفظ، وبزيادة فيه، فقال: "أما يكفيك أن التوراة بين يديك، وأن الوحي يأتيك يا موسى؟ إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه".


(١) "المفهم" ٦/ ١٩٩ - ٢٠٠.
(٢) "المفهم" ٦/ ٢٠٠.