يقال: ارتفاعه مائة ذراع، وعرضه خمسون ذراعًا، وامتداده على وجه الأرض خمسمائة ذراع، (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)؛ أي: يقرب أن يسقط لِمَيَلانه، (فَأَقَامَهُ) الخضر بيده، وفي رواية:"مسحه بيده"، وفي رواية:"أشار إليه بيده، فاستقام". (قَالَ) موسى (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ)، وفي نسخة:"لَتَخِذْتَ"، وتقدّم أنهما قراءتان سبعيّتان. (عَلَيْهِ أَجْرًا)، وفي رواية:"فقال موسى: قوم أتيناهم، فلم يطعمونا، ولم يضيّفونا، لو شئت لاتخذت عليه أجرًا". (قَالَ) الخضر (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ)، وفي رواية:"قال: هذا فراق بيني وبينك، فأخذ موسى بطرف ثوبه، فقال: حدّثني"، وذكر الثعلبيّ:"أن الخضر قال لموسى: أتلومني على خرق السفينة، وقَتْل الغلام، وإقامة الجدار، ونسيت نفسك حين أُلقيت في البحر، وحين قتلت القبطيّ، وحين سَقيت أغنام ابنتَي شعيب احتسابًا". (قَالَ) الخضر ({سَأُنَبِّئُكَ}) قبل فراقي لك ({بِتَأْوِيلِ})؛ أي: تفسير ({مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ}) قيل: كانوا عشرة، خمسة زَمْنى، وخمسة أصحّاء، وهم الذين يعملون في البحر، وقيل فيهم غير ذلك. ({يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}) وقوله (إِلَى آخِرِ الآيَةِ) متعلّق بمقدّر؛ أي: اقرأ إلى آخرها، (فَإِذَا جَاءَ) الملِك (الَّذِي يُسَخِّرُهَا) من التسخير؛ أي: يستعملها غاصبًا من أهلها، (وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً) بسبب خَرْق الخضر لها، (فَتَجَاوَزَهَا، فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ)؛ أي: جعلوا مكان الخرق خشبة تمنع دخول الماء إليها. (وَأمَّا الْغُلَامُ) المقتول (فَطُبعَ يَوْمَ طُبعَ كَافِرًا)؛ أي: ختم الله عليه بأنه كافر لا يؤمن أبدًا.
قال القاضي عياض -رحمه الله-: في هذا حجة بيّنة لأهل السُّنَّة لصحة أصل مذهبهم في الطبع، والرَّيْن، والأكنّة، والأغشية، والحجب، والسّدّ، وأشباه هذه الألفاظ الواردة في الشرع في أفعال الله تعالى بقلوب أهل الكفر والضلال، ومعنى ذلك عندهم: خلق الله تعالى فيها ضد الإيمان، وضد الهدى، وهذا على أصل أهل السُّنَّة أن العبد لا قدرة له إلا ما أراده الله تعالى، ويسّره له، وخلقه له؛ خلافًا للمعتزلة، والقدرية القائلين بأن للعبد فعلًا من قِبَل نفسه، وقدرةً على الهدى والضلال، والخير والشر، والإيمان والكفر، وأن معنى هذه الألفاظ نسبة الله تعالى لأصحابها، وحُكْمه عليهم بذلك.
وقالت طائفة منهم: معناها: خَلَقه علامة لذلك في قلوبهم، والحقّ الذي