للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا شكّ فيه أن الله تعالى يفعل ما يشاء، من الخير والشر، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣]، وكما قال تعالى في الذرّ: "هؤلاء للجنة، ولا أبالي، وهؤلاء للنار، ولا أبالي"، فالذين قضى لهم بالنار طَبع على قلوبهم، وخَتم عليها، وغَشّاها، وأكنّها، وجعل من بين أيديها سَدًّا، ومن خلفها سَدًّا، وحجابًا مستورًا، وجعل في آذانهم وقرًا، وفي قلوبهم مرضًا؛ لتتمّ سابقته فيهم، وتمضي كلمته، لا رادّ لحكمه، ولا معقّب لِأَمْره وقضائه، وبالله تعالى التوفيق.

وقد يَحتجّ بهذا الحديث من يقول: أطفال الكفار في النار، وقد سبق بيان هذه المسألة، وأن فيهم ثلاثةَ مذاهب: الصحيح أنهم في الجنة، والثاني: في النار، والثالث: يُتوقف عن الكلام فيهم، فلا يُحكم لهم بشيء، وتقدّمت دلائل الجميع، وللقائلين بالجنة أن يقولوا في جواب هذا الحديث: معناه: عَلِم الله لو بلغ لكان كافرًا. انتهى (١).

(وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ)؛ أي: أحبّاه حبًّا شديدًا، (فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ)؛ أي: بلغ مبلغ الرجال، وفيه أنه كان غير بالغ. (أَرْهَقَهُمَا)؛ أي: كلّفهما (طُغْيَانًا)؛ أي: مجاوزة للحدّ، فقوله: (وَكُفْرًا) بيان للطغيان.

وقال في "الفتح": قوله: "فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرًا": أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه.

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "أرهقهما طغيانًا وكفرًا"؛ أي: حَمَلهما عليهما، وألحقهما بهما، والمراد بالطغيان هنا: الزيادة في الضلال، وهذا الحديث من دلائل مذهب أهل الحق في أن الله تعالى أعلمُ بما كان وبما يكون، وبما لا يكون لو كان كيف كان يكون، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨]، وقوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)} [الأنعام: ٧]، وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)} [الأنعام: ٩]، وغير ذلك من الآيات (٢).


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٤٥.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٤٥ - ١٤٦.