للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به -صلى الله عليه وسلم- مرّة أخرى، أم لا؟ وهذا هو الصحيح المعتمد. انتهى ملخّصًا (١).

وقال الإمام البخاريّ -رحمه الله- في "صحيحه": "ومَن صَحِب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه". انتهى.

قال في "الفتح": يعني: أن اسم صحبة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَحَقٌّ لمن صحبه أقلّ ما يُطلق عليه اسم صحبة لغةً، وإن كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة، ويُطلق أيضًا على من رآه رؤيةً، ولو على بُعْد، وهذا الذي ذكره البخاريّ هو الراجح، إلا أنه هل يُشترط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه، أو يُكتفى بمجرد حصول الرؤية؟ محلّ نظر، وعَمَلُ من صنّف في الصحابة يدلّ على الثاني، فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما وُلد قبل وفاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أشهر وأيام، كما ثبت في "الصحيح" أن أمه أسماء بنت عُميس ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكة، وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل، والخلاف الجاري بين الجمهور، وبين أبي إسحاق الإسفراينيّ ومن وافقه على ردّ المراسيل مطلقًا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين، ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مما يُلغز به، فيقال: صحابي حديثه مرسل، لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة.

ومنهم من بالغ، فكان لا يعدّ في الصحابة إلا من صحب الصحبة العُرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: رأى عبد الله بن سَرْجِس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير أنه لم يكن له صحبة، أخرجه أحمد، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدّة أحاديث، وهي عند مسلم وأصحاب "السُّنن"، وأكثرها من رواية عاصم عنه، ومن جملتها قوله: "إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- استغفر له"، فهذا رأي عاصم أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية، وكذا رُوي عن سعيد بن المسيِّب أنه كان لا يَعُدّ في الصحابة إلا من أقام مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سنةً فصاعدًا، أو غزا معه غزوةً فصاعدًا، والعمل على خلاف هذا


(١) "الإصابة في تمييز الصحابة" ١/ ١٥٨ - ١٥٩.