قال الحافظ -رحمه الله-: والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة، من أدلّها على المقصود ما رواه الترمذيّ، وابن حبان في "صحيحه" من حديث عبد الله بن مُغَفَّل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غَرَضًا، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله، فيوشك أن يأخذه"(١).
وذكر غيره من الأدلة حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-: "لا تَسُبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم، ولا نصيفه"، مُتّفق عليه، وهو وإن ورد على سبب، وذلك أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء، فسبّه خالد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-. . . .، فذكره، بحيث خصه بعض أصحاب الحديث بمن طالت صحبته، وقاتل معه، وأنفق، وهاجر، لكن العبرة إنما هي بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، كما ذهب إليه الأكثرون، وصححه القاضي عياض هنا.
ومثل هذا يقال، وإن كان المقول له صحابيًّا للتنبيه على إرادة حفظ الصحبة عن ذلك.
ووجه الاستدلال به أن الوصف لهم بغير العدالة سبّ، لا سيما وقد نَهَى بعض من أدركه، وصحبه عن التعرض لمن تقدمه؛ لشهود المواقف الفاضلة، فيكون مَن بعدَهم بالنسبة لجميعهم من بابِ أَولى.
وحديث:"خير الناس قرنى. . ." المتواتر، مما هو أيضًا متفق عليه، من حديث ابن مسعود، وعمران بن حصين، حتى بالغ بعضهم، فتمسَّك به بعدالة التابعين أيضًا، وأنه لا يُسأل عنهم حتى يقوم الجَرح؛ لقوله فيه:"ثم الذين يلونهم"، وهو فيهم محمول على الغالب، والمراد بقَرْن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيه الصحابة، وإن أُطلق القرن على مدة من الزمان في تحديدها أَقوال، أدناها عشرة أعوام، وأعلاها مائة وعشرون، وعليه ينطبق الواقع في كون آخر الصحابة موتًا أبو
(١) رواه الترمذيّ، وابن حبّان، وفي سنده رجل مجهول، لكن المتن يشهد له ما بعده، فيتقوّى به.