للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا يدخل أحد منهم النار؛ لأنهم المخاطَبون بالآية السابقة (١).

[فإن قيل]: التقييد بالإنفاق والقتال يُخرج من لم يتصف بذلك، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة، وهي قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} الآية [التوبة: ١٠٠] يخرج من لم يتصف بذلك.

[فالجواب]: أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل، أو القوة، ولكن قد أشار إلى الخلاف إلكيا الطبريّ، حيث قال: إن عليه كافة أصحابنا، وكذا قال القاضي، هو قول السلف، وجمهور الخلف.

وحَكَى الآمديّ، وابن الحاجب قولًا أنهم كغيرهم في لزوم البحث على عدالتهم مطلقًا، وهو قضية كلام أبي الحسين ابن القطان من الشافعية، فإنه قال: فوحشيّ قَتَل حمزة، وله صحبة، والوليد شرب الخمر.

قلنا: من ظهر منه خلاف العدالة لا تقع عليه اسم الصحبة، والوليد (٢) ليس بصحابيّ، إنما أصحابه الذين كانوا على طريقته.

وهذا عجيب، فالكل أصحابه باتفاق، وقَتْل وحشيّ لحمزة كان قبل إسلامه، وأما الوليد وغيره ممن ذُكِر بما أشار إليه، فقد كَفَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مِن لعن بعضهم بقوله: "لا تلعنه، فوالله ما عَلِمت إلا أنه يحب الله ورسوله"، كما كَفَّ عمرَ عن حاطب -رضي الله عنهما- قائلًا له: "إنه شَهِد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم"، لا سيما وهم مخلصون في التوبة فيما لعله صدر منهم، والحدود كفارات، بل قيل في الوليد بخصوصه: إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه، فشهدوا عليه بغير الحقّ.

وبالجملة فَترْك الخوض في هذا ونحوه متعيِّن.

وقيل: لا يُحكم بعدالة من دخل من الصحابة في فتنة من الفتن الواقعة من حين مقتل عثمان -رضي الله عنه-؛ كالْجَمَل، وصِفِّين من الفريقين، إلا بعد البحث


(١) "الإحكام" ٥/ ٩٠.
(٢) أي: ابن عقبة أخو عثمان -رضي الله عنه- لأمه.