أنه من سُداسيّات المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ-، وله فيه ثلاثة من الشيوخ قَرَن بينهم، ثم فصّل؛ لِمَا أسلفناه غير مرّة، وأنه مسلسلٌ بالتحديث من أوله إلى آخره، وفيه رواية صحابيّ عن صحابيّ -رضي الله عنهما-.
شرح الحديث:
(عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه- (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) -رضي الله عنه- (حَدَّثَهُ، قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا) وقوله: (وَنَحْنُ فِي الْغَارِ) جملة في محلّ نَصْب على الحال، والغار: ثُقْب في الجبل، والمراد هنا: غار ثور، وفي رواية للبخاريّ:"فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم".
[تنبيه]: قصّة الغار أنه لمّا رأت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى المدينة قالوا: هذا شرّ شاغل، لا يطاق، فأجمعوا أمرهم على قَتْل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبيَّتوه، ورصدوه على باب منزلة طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليّ بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله أن يُعمي عليهم أثره، فطمس الله على أبصارهم فخرج وقد غشيهم النوم، فوضع على رؤوسهم ترابًا ونهض، فلما أصبحوا خرج عليهم عليّ -رضي الله عنه-، وأخبرهم أن ليس في الدار أحد، فعلموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد فات ونجا.
وتواعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر الصديق للهجرة، فدفعا راحلتيهما إلى عبد الله بن أرقط، ويقال: ابن أُريقط، وكان كافرًا لكنهما وَثِقَا به، وكان دليلًا بالطرق، فاستأجراه ليدل بهما إلى المدينة.
وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خَوْخَة في ظهر دار أبي بكر التي في بني جُمَح، ونهضا نحو الغار في جبل ثور، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يستمع ما يقول الناس، وأمر مولاه عامر بن فُهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما ليلًا فيأخذا منها حاجتهما، ثم نهضا، فدخلا الغار.
وكانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عامر بن فُهيرة بالغنم، فيعفي آثارهما.