للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك المحلّ، وأصابه الحزن والخوف، وما ذلك إلا لِأَجْله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه إن أصابه شيء من الكفّار انقطعت الدعوة إلى الله، ولم يَقُمْ بعده غيره.

قال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قالت الإمامية قبَّحها الله: حُزن أبي بكر في الغار دليل على جهله، ونقصه، وضَعف قلبه، وخُرقه (١).

وأجاب علماؤنا عن ذلك بأن إضافة الحزن إليه ليس بنقص، كما لم

ينقص إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلامُ- حين قال عنه: {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ} [هود: ٧٠]، ولم ينقص موسى قوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ} الآية [طه: ٦٧، ٦٨]، وفي لوط: {وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} الآية [العنكبوت: ٣٣].

فهؤلاء العظماء -صلوات الله عليهم- قد وُجدت عندهم التقية نصًّا، ولم يكن ذلك طعنًا عليهم، ووصفًا لهم بالنقص، وكذلك في أبي بكر.

ثم هي عند الصديق احتمال، فإنه قال: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.

جواب ثان: إن حزن الصديق إنما كان خوفًا على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يصل إليه ضرر، ولم يكن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الوقت معصومًا، وإنما نزل عليه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} الآية [المائدة: ٦٧] بالمدينة. انتهى (٢).

٥ - (ومنها): بيان جواز الفرار بالدين خوفًا من العدو، والاستخفاء في الْغِيران وغيرها، ولا يُلقي الإنسان بيده إلى العدوّ؛ توكلًا على الله تعالى، واستسلامًا له، ولو شاء الله لعصمه -صلى الله عليه وسلم- مع كونه معهم، ولكنها سُنَّة الله في الأنبياء وغيرهم، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلًا.

قال القرطبيّ: وهذا أدلّ دليل على فساد من منع ذلك، وقال: من خاف مع الله سواه كان ذلك نقصًا في توكله، ولم يؤمن بالقَدَر، وهذا كله في معنى الآية، ولله الحمد والهداية.

٦ - (ومنها): ما قال المهلّب: في قصّة الهجرة من الفقه ائتمان أهل


(١) الخُرق بالضمّ: الْحُمق، وضعف الرأي.
(٢) "تفسير القرطبيّ" ٨/ ١٤٦ - ١٤٧.