وقال القرطبيّ أيضًا: وتفصيل كيفية قَتْله، وما جرى لهم (١) معه مذكور في التواريخ، وجملة الأمر أن قومًا من أهل مصرِ وغيرهم غلب عليهم الجهل، والهوي، والتعصب، فنَقَموا عليه أمورًا، أكثرها كَذِب، وسائرها له فيها أوجهٌ من المعاذير، وليس فيها شيء يوجب خَلْعه، ولا قَتْله، فتحزَّبوا، واجتمعوا بالمدينة، وحاصروه في داره، فقيل: شهران، وقيل: تسعة وأربعون يومًا، وهو في كل ذلك يعظهم، ويذكّرهم بحقوقه، ويتنصل مما نسبوه إليه، ويعتذر منه، ويصرح بالتوبة، ويحتج عليهم بحجج صحيحة، لا مَخْلَص لهم عنها، ولا جواب عليها، لكن أعْمَتْهم الأهواء ليغلب القضاء، فدخلوا عليه، وقتلوه مظلومًا، كما شَهِد له النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجماعة أهل السُّنَّة، وأُلقي على مزبلة، فأقام فيها ثلاثة أيام، لم يقدر أحدٌ على دفنه، حتى جاء جماعة بالليل خفية، وحملوه على لوح، وصلّوا عليه، ودُفن في موضع من البقيع، يسمى:"حش كوكب"، وكان مما حبَّسه هو، وزاده في البقيع، وكان إذا مرّ فيه يقول: يُدفن فيك رجل صالح، فكان هو المدفون فيه، وعُمِّي قبره؛ لئلا يُعرف، وقد نَسَب أهلُ الشام قَتْله إلى علي -رضي الله عنه-، وهي نسبة كذب، وباطل، فقد صحَّ عنه أنه كان في المسجد، وقت دُخِل عليه في الدار، ولمّا بلغة ذلك قال لِقَتَلته: تبًا لكم آخر الدهر، ثم إنه قد تبرأ من ذلك، وأقسم عليه، وقال: من تبرأ من دِين عثمان، فقد تبرأ من الإيمان، والله ما أعَنْت على قتله، ولا أمرت، ولا رضيت، لكنه لم يقدر على المدافعة بنفسه، وقد كان عثمان منعهم من ذلك.
وكان مقتل عثمان في أوسط أيام التشريق، على ما قاله أبو عثمان النَّهْديّ، قال ابن إسحاق: على رأس إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرًا، واثنين وعشرين يومًا من مقتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وعلى رأس خمس وعشرين سنة من مُتوفَّى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الواقدي: قُتل يوم الجمعة لثمان ليالٍ خلت من ذي الحجة؛ يوم التروية سنة خمس وثلاثين، وقيل: لليلتين بقيتا من ذي الحجة، قال ابن إسحاق: وبويع له بالخلافة يوم السبت غرَّة محرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بثلاثة أيام، فكانت خلافته إحدى عشرة سنة، إلا