ومشاهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها، إلا غزوة تبوك، فإنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يتخلَّف في أهله، وقال له:"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ "، وزوَّجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيدة نساء أهل الجنة؛ فاطمة -رضي الله عنها-، وآخى بينه وبينه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق"، وقال فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنه يحبُّه الله ورسوله، وأنَّه يحبُّ الله ورسوله".
وكان -رضي الله عنه- قد خُصَّ من العلم، والشجاعة، والحلم، والزهد، والورع، ومكارم الأخلاق ما لا يسعه كتاب، ولا يحويه حصر حساب، بويع له بالخلافة يوم مقتل عثمان -رضي الله عنه-، واجتمع على بيعته أهل الحلّ والعقد من المهاجرين والأنصار؛ إلا نفرًا منهم، فلم يُكرههم، وسئل عنهم، فقال: أولئك قوم خَذَلوا الحقّ، ولم يعضدوا الباطل، وتخلف عن بيعته معاوية ومن معه من أهل الشام، وجرت عند ذلك خطوب لا يمكن حصرها، والتحمت حروب لم يُسمع في المسلمين بمثلها، ولم تزل ألويته منصورة عالية على الفئة الباغية إلى أن جرت قضيه التحكيم، وخُدع فيها ذو القلب السليم، وحينئذ خرجت الخوارج، فكفَّروه وكلَّ من معه، وقالوا: حكَّمت الرجال في دين الله، والله تعالى يقول:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[الأنعام: ٥٧]، ثم اجتمعوا وشقُّوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبيل، فخرج إليهم عليّ بمن معه، ورام رجوعهم فأبوا إلا القتال، فقاتلهم بالنهروان، فقَتَلهم واستأصل جميعهم، ولم ينج منهم إلا اليسير، وقد تقدَّم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يقتلهم أَولى الطائفتين بالحقّ"، ثم انتدب إليه رجل من بقايا الخوارج يقال له: عبد الرحمن بن ملجم، قال الزبير: كان من حِمْيَر، فأصاب دماء فيهم، فلجأ إلى مراد، فنُسب إليهم، فدخل على عليّ في مسجده بالكوفة، فقتله ليلة الجمعة، وقيل: في صلاة صُبْحها، وقيل: لإحدى عشرة ليلة خلت من رمضان، وقيل: لثلاث عشرة، وقيل: لثمان عشرة، وقيل: في أول ليلة من العشر الآخر من رمضان سنة أربعين، واختُلف في موضع قبره اختلافًا كثيرًا يدلّ على عدم العلم به، وأنه مجهول، وكذلك اختُلف في سِنِّه يوم قُتل، فقيل: ابن سبع وخمسين إلى خمس وستين سنة، وكانت مدة خلافته أربع سنين وستة أشهر، وستة أيام، وقيل: ثلاثة. وقيل: أربعة عشر يومًا، فأُخِذ عبد الرحمن بن